آخر المقالات

الجمعة، 28 سبتمبر 2007

معركة الفلوجة وهزيمة امريكا في العراق -6


احمد منصورہ يكشف خبايا معركة الفلوجة وهزيمة امريكا في العراق -6طائرات قصفت الفلوجة بشكل عشوائي ودمرت معظم الطرق المؤدية للمدينة لتمنع هروب المواطنين اكثر من 11 ألف جندي امريكي شاركوا بالمعركة ضد رجال المقاومة.





28/09/2007


يكشف الاعلامي المعروف احمد منصور ومقدم البرنامج الشهير (بلا حدود) علي قناة الجزيرة القطرية تفاصيل وخفايا معركة الفلوجة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 التي تابعها وغطاها من الميدان، ويري ان المعركة كانت بمثابة هزيمة للاستراتيجية الامريكية في العراق. و القدس العربي تنفرد بنشر فصول من الكتاب تكشف عن حجم الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق وفي المدينة التي حولتها لأنقاض وشردت اهلها ولا تزال بعد كل الجرائم تفرض حصارا عليها مع ان المعركة انتهت منذ اربعة اعوام .القدس العربي.









بداية الدمار في المدينة


أبلغنا السكان أن الطائرات قصفت بعض المنازل في حي الجولان الذي يقع شمال غربي المدينة، فذهبنا الي هناك فوجدنا السكان مجتمعين حول بيت سقطت بعض القذائف علي سطحه فاخترقته ودمرت أجزاء منه، بينما نالت قذائف أخري بعض المنازل المجاورة وقال بعض الحضور:
انها قنابل عنقودية ، لأنها تناثرت علي البيوت.وكان بعضهم يمسك بأجزاء من القذائف التي سقطت علي المكان، فقمنا بتصوير كل هذا، وتحدث صاحب البيت الينا وسجلت توقيع التقرير في مواجهة الكاميرا والذي عادة ما يكون في نهاية التقارير الاخبارية من وسط هذا البيت المدمَّر، حيث أعددت أول تقرير اخباري من المدينة حتي يبث علي شاشة الجزيرة في نشرات الأخبار التالية.وقبل أن أغادر المكان كانت مكبرات الصوت التي تطوف بها آليات أمريكية علي الجانب الآخر من نهر الفرات الملاصق لحي الجولان تطلب من السكان تسليم الذين قاموا بعملية قتل وسحل الجنود في شوارع المدينة.
وكان المتحدث يتكلم اللغة العربية حيث كان أحد العرب المرتزقة العاملين مع قوات الاحتلال، فلم يكن المرتزقة كلهم أجانب بل هناك مرتزقة عراقيون وعرب يعملون مع قوات الاحتلال مترجمين أو حتي حراسا أمنيين، ولأن الصوت كان قريباً فقد طلبت من المصور أن يأتي معي لأقرب مكان يمكن أن نري فيه تلك الآليات التي كانت تذيع هذه البيانات، لكن السكان حذرونا وقالوا:
انهم يطلقون النار علي كل من يرونه، لكننا وجدنا الآليات تقترب حتي تمكنت أنا من رؤيتها من بين فراغات البيوت.ذهبنا بعد ذلك الي سوق المدينة، فالأسواق عادة ما تعطي صورة عن واقع حال الناس بشكل قريب، كان الباعة الذين عادة ما يدخلون الخضار الي المدينة في الليل أو الصباح الباكر لا زال لديهم بعض الخضروات والفاكهة معروضة في السوق، لكن الناس كانوا مضطربين الي حد بعيد ولا يعرفون ما هي أبعاد ما يمكن أن يسفر عنه حصار المدينة.بعد ذلك ذهبنا الي بيت آل حديد الذي كان مقر اقامتنا وذلك حتي نعد جهاز الستلايت للبث ونرسل ما لدينا من صور ومعلومات الي مقر قناة الجزيرة في الدوحة.
ويقع بيت عائلة زميلنا حامد حديد في شارع السد التابع لحي نزال الذي يقع وسط المدينة من ناحية الجنوب الشرقي، وشارع السد الذي يقع فيه البيت هو الذي يفصل حي نزال عن الحي الصناعي الذي يقع عند مدخل المدينة الشرقي الذي يربطها مع بغداد عبر الطريق العام الذي يقطع قلب الفلوجة ويتجه الي مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار.
كان أهل حامد واخوته في انتظارنا لا سيما شقيقه الأكبر سامي أبو عماد الذي كان نعم العون لنا هو وولداه عماد وزياد طوال الوقت. أفرغوا لنا غرفة الصالون الرئيسية وكانت فسيحة وكبيرة، فوضعنا فيها أغراضنا وأدخلنا سيارة البث داخل البيت حيث أعد المهندس سيف جهاز البث للعمل، وكانت أول مشاركة حية لي من الفلوجة في نشرة أخبار منتصف اليوم، وأعتقد أنها كانت تبث آنذاك في الساعة الرابعة مساء بتوقيت الدوحة، وقد اخترنا سطح المنزل ليكون مكاناً مرتفعاً أظهر من خلاله للمشاركة في نشرات الأخبار.ولأن بيوت الفلوجة كلها متقاربة في الارتفاع حيث تنتشر البيوت أفقياً وتتكوَّن من طابق أو طابقين، فلم يكن هناك مجال لظهور خلفيات واسعة للمدينة لكن مسجد الخلفاء الراشدين كان دائماً في خلفيتنا بمآذنه العالية.
قدمت في تلك النشرة صورة موجزة لكل ما رأيناه داخل المدينة دون أن أعطي أية تفصيلات عن كيفية دخولنا اليها، ثم أعددت أول تقرير اخباري مصوَّر لنشرات الأخبار، حيث تم بثه في النشرات التالية، وكان موضوعه عن محاولاتنا دخول المدينة وقد احتوي علي صور من تلك التي صوَّرها ليث لي سرّاً وأنا أتفاوض مع القائد الأمريكي لحاجز اغلاق الطريق السريع المؤدي الي الفلوجة عبر الطريق السريع، وكذلك صور للافتات المؤدية الي المدينة علي الطرق المختلفة التي كانت كلها مغلقة، وطلبات القوات الأمريكية لأهل المدينة عبر مكبرات الصوت أن تسلم اليهم ما كانت تسميهم الأشرار .
كما نقلنا بالصور ما ذكره أهل المدينة عن سقوط عدد من الصواريخ علي أنحاء متفرقة منها لا سيما حي الجولان مما أدي الي مقتل ثمانية من المدنيين. وظهر أحد المدنيين في التقرير وهو يتحدث عن اسقاط قنابل عنقودية علي منطقة الجولان وكان آخر يمسك ببعض بقايا تلك القذائف.كما تحدثنا عن أول بيان أصدرته القوات الأمريكية وكان يقضي بفرض حظر التجول علي المدينة من السابعة مساء وحتي السادسة صباحاً. وقد ظل هذا التقرير يُبث طوال نشرات الأخبار النهارية وجزءًا من نشرات المساء.
ثم طلب مني الزملاء في الدوحة أن أعد تقريراً آخر للنشرات الليلية، ولأن اعداد تقرير تليفزيوني لنشرات الأخبار مدته لا تزيد عن دقيقتين يقتضي جهد نهار كامل من المراسل فقد كان طلب اعداد تقرير آخر لنشرات الليل أمراً مجهداً، فقمت بجولة أخري مسائية داخل المدينة للوقوف علي آخر المستجدات.
ومع دخول الليل كنت أقف أمام مسجد الخلفاء الراشدين الذي يقع في الشارع العام في مواجهة شارع السد الذي يقع فيه بيت حامد لأسجل توقيع التقرير الذي بث في نشرات الأخبار تلك الليلة وتحدثت فيه عن عملية الحل الحذر ، وهو الاسم الذي أطلقه الأمريكيون علي عمليتهم التي كانوا يقومون بها في الفلوجة، حيث ألقت الطائرات بالمنشورات التي تحذر سكان المدينة من التقاعس عن تسليم المتهمين بقتل المرتزقة الأمريكيين وسحلهم في الشوارع.
كما تحدثت عن قرار القوات الأمريكية بفرض حظر التجول علي المدينة من السابعة مساء وحتي السادسة صباحاً، ونقلت صوراً التقطناها بعد السابعة مساء لرجل مسن معه طفله لا يجد مكاناً يعالجه فيه بعدما وجد المستوصفات الطبية الخاصة كلها مغلقة، التزاماً بقرار حظر التجول الذي فرضته القوات الأمريكية بعد السابعة، ولم تكن المستشفي الميداني التي أسَّسها أطباء مستشفي الفلوجة داخل المدينة مكان العيادة الشعبية قد افتتحت بعد.كما تضمَّن هذا التقرير صوراً خاصة تمكَّن الزملاء من التقاطها للقوات الأمريكية وهي علي جسر الفلوجة الحديدي القديم الذي كانت قد عُلِّقت عليه بعض جثث المرتزقة في الحادي والثلاثين من آذار (مارس) حيث كانت القوات الأمريكية ترابط علي الجسر وتحتله.
وهو الجسر الذي كان يربط بين طرفي المدينة عبر نهر الفرات، وكان يصل بين مستشفي المدينة التي كانت تقع علي الضفة الأخري من النهر وبين المدينة.كان احتلال الجسر من قبل الأمريكيين يعني أن أهل المدينة لن يستطيعوا الذهاب الي المستشفي العام، وأذكر أنني تمكنت من الوصول مع المصور ليث بمساعدة بعض سكان المنطقة الي مكان لا يبتعد عن الجسر الا عشرات الأمتار حيث تمكن ليث من تصوير الجنود بوضوح تام، وتم بث الصور كانفراد خاص للجزيرة عبر التقرير.
تحدثت أيضاً عن قرار اتخذ في المدينة بتعطيل الدراسة الي أجل غير مسمي، وقد ظهرت في نشرة الساعة التاسعة مساء في بث مباشر مع الزميل جميل عازر الذي كان يقدم النشرة.
ولأن المعارك كانت مشتعلة بين القوات الأمريكية وأنصار مقتدي الصدر في الجنوب أيضاً، فاني أذكر أن الزميلة أطوار بهجت ـ التي استشهدت بعد ذلك في سامراء في 22 شباط (فبراير) من العام 2006 بعد حادث تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري ـ كانت معي في بث مباشر أيضاً من مدينة الكوفة، وتحدثت في تقريري المباشر عن أصوات الانفجارات والاشتباكات التي لم تتوقف وكانت تسمع من أطراف المدينة المختلفة ونقلت عن شهود عيان أن الطائرات الأمريكية قد قصفت معظم الطرق المؤدية الي المدينة حتي تمنع هروب السكان منها أو دخولهم اليها.وفي مذكراته التي نشرها تحت عنوان عام قضيته في العراق وصف الحاكم الأمريكي بول بريمر أحداث ذلك اليوم بايجاز في صفحة 400 قائلاً:
أخبرني الجنرال سانشيز أنه قبل شروق الشمس أقامت قوة من 1300 رجل من المارينز وقوات فيلق الدفاع المدني، وقوات الجيش العراقي الجديد، حواجز حول مدينة الفلوجة، وفرضت عليها حصاراً، ودخلت مركبات همفي المزوَّدة بمكبرات الصوت مدعومة بالمركبات المصفَّحة الفلوجة، وأعلنت عن حظر التجول من الغروب الي الفجر وهددت بالقضاء علي المتمردين الذين يرفضون تسليم أسلحتهم والاستسلام، والوضع هناك معقَّد وخطير، علي غرار الأزمة التي نواجهها في مدينة الصدر والجنوب .
تحدَّث بريمر عن 1300 جندي لكن أعداد الجنود الأمريكيين كانت أكبر من ذلك بكثير حيث كان الذين هاجموا المنطقة الصناعية 2000 جندي حسب تصريح قائدهم كما سيأتي فيما بعد، وبالتالي فان تقديرات بعض الخبراء أشارت الي أن القوات التي أحاطت بالفلوجة وحاصرتها في المعركة الأولي كانت تزيد عن أحد عشر ألف جندي أمريكي خلاف المتعاونين من العراقيين.


مصادر الأخبار


كانت كل مرافق المدينة من الكهرباء والماء والهاتف لا زالت تعمل في هذا اليوم الأول من الحصار الخامس من نيسان (ابريل)، وكان استمرار عمل شبكة الهاتف له دور كبير في حصولنا علي المعلومات من كافة أطراف المدينة وما حولها، فقد كان لحامد أقارب ومعارف في كل أطراف المدينة، وكان يتصل دائماً بهم عبر الهاتف لمعرفة ما يدور في تلك الأماكن، كما كان يتأكد من أية معلومات تصل الينا عن أي حادث وقع في أي مكان عبر الاتصال بأناس يعرفهم في تلك الأماكن، ويطلب منهم التأكد من صحة المعلومة بطرق وضوابط مختلفة استندت اليها من خلال خبرتي المهنية الطويلة وضوابط العمل الاخباري في تغطية الحروب، حيث بدأت حياتي المهنية كمراسل حربي وغطيت الحرب في أفغانستان لمدة ثلاث سنوات، ومن بعدها عايشت في الكويت طوال شهرين الغزو والاحتلال العراقي للكويت الذي قام به صدام حسين في آب (اغسطس) 1990 .كما قمت بعد ذلك بتغطية الحرب في البوسنة والهرسك، وعملت سبع سنوات مدير تحرير لواحدة من أوسع المجلات السياسية انتشاراً في الخليج، ومن ثم فقد تدرجت في العمل الصحفي من أول درجات سلمه وعملت في الميدان والادارة، وأعرف كيف تكون الضوابط المهنية عامل النجاح الأساسي في أي عمل.
كما أننا نعمل في قناة اخبارية لها مصداقيتها العالمية في صناعة الأخبار، لذلك وضعنا بعض القواعد الهامة للتأكد من صحة المعلومات التي نرسلها الي مركز قناة الجزيرة في الدوحة لبثها، أقلها أن نتأكد من صحة الخبر من مصدرين علي الأقل لتلك الأخبار التي لا نراها رأي العين أو نقوم بتصويرها أو الحصول علي صور لها.
كما أننا لم نكن نغطي أحداث الفلوجة فقط بل كل المناطق الخاصة بها وكل محافظة الأنبار، فقد كان مراسلنا في الرمادي حسام علي دائم الاتصال بنا، كذلك كنا علي اتصال مع مراسلين آخرين في القائم وحديثة، وكان هناك متعاونون في أماكن أخري عديدة يتصلون بنا ويبلغوننا بتطورات الموقف في مناطقهم، وهذا أوقع علينا عبئاً ومسؤولية كبيرة في التأكد من دقة وصحة الأخبار التي نبثها.
لذلك فانه وفق هذه الضوابط التي وضعناها كنا نستبعد كثيراً من الأخبار، وكنا نعتبر أن تجنُّب نشر خبر صحيح ولكن غير مؤكَّد أفضل مئات المرات من نشر خبر نكتشف بعد ذلك أنه غير صحيح.
وقد وقعت لنا طرائف عديدة في هذا المجال، أذكر من بينها أن حامداً تلقي اتصالاً علي الهاتف وأنا كنت أجلس الي جواره حيث أبلغه المتصل بعدما أخذ حامد كل بياناته، بأن طائرة مروحية أمريكية أسقطت في منطقة عامرية الفلوجة، وهي احدي القري الملاصقة للفلوجة، فقلت له: اسأله في أي ساعة؟ وهل تشتعل فيها النيران أم لا؟ وهل شوهد جنود أمريكيون قتلي أم جرحي فيها؟ وكيف ومتي وصلت قوات أمريكية لانقاذ أو تفقد من كان علي متن الطائرة؟ وغيرها من الأسئلة الأخري الكثيرة التي لا نهاية لها والتي أشبه ما تكون تحقيقاً أكثر منها استعلاماً.
وكان الرجل يجيب علي كل الأسئلة وكنت أدوِّن ما يقوله حيث كان حامد يعيد اجابات الرجل بصوت مرتفع، وفي النهاية قلت له: اسأله ما لون الطائرة؟ ورغم ما كنا فيه من هم فقد غرقنا جميعاً في الضحك بعد هذا السؤال، كذلك من كثرة تفاصيل الأسئلة التي وجهناها للرجل حيث وضعناه تحت تحقيق كامل وسألناه أسئلة لم تخطر علي باله، وطلبنا منه اعادة التأكد من بعض الاجابات التي أعطاها لنا وأهم شيء أن يتأكد من لون الطائرة، حيث تطلي الطائرات المروحية عادة اما باللون الصحراوي الأصفر أو اللون الأخضر، فاذا كانت تطير فوق مناطق خضراء أو بساتين عادة ما يستخدمون الطائرات ذات اللون الأخضر، واذا كانت تطير فوق أماكن صحراوية استخدموا الطائرات ذات اللون الصحراوي، وكان كثير من الذين يتصلون بنا ليبلغونا عن تدمير طائرات أو آليات نقول لهم صوِّروها وأحضروا لنا الصور.
ورغم الصعوبة البالغة في الحركة كان بعضهم يأتينا بصور عبر كاميرات شخصية، وكنت دائماً أقول للزملاء: اذا لم تكن كل معطيات الخبر صحيحة فلن يكون خطؤنا كبيراً اذا لم ننشرها، أما اذا كان الخبر غير صحيح، فسوف يكون خطؤنا كبيراً فكل العالم ينقل عنا، وبالتالي فيجب أن نكون أكثر دقة فيما نقدم.
لذلك فقد تجنبنا نشر كثير من الأخبار التي اتضح أنها كانت صحيحة فيما بعد لأننا لم نتأكد منها وفق الضوابط الشديدة التي وضعناها، وهذا ما جعلنا مصدراً هاماً ليس لنقل الخبر فقط وانما لصناعته.
وفي نشرة حصاد اليوم المسائية الرئيسية تم بث التقرير الثاني الذي أعددته لنشرات الليل، وكان فيه تطورات عديدة عما حدث في المدينة في النصف الثاني من اليوم، حيث قصفت الطائرات الأمريكية في الساعة الرابعة والنصف عصراً منزل أحد المواطنين في حي المعلمين بصاروخ أحدث حفرة كبيرة في مدخل البيت وهشمت أجزاء منه، وظهر صاحب المنزل في التقرير وشرح ما حدث، ثم ظهرتُ علي نشرة الأخبار في بث مباشر وكان مقدم نشرة الحصاد الزميل جمال ريان وكانت معه الزميلة ليلي الشايب، وجمال ريان هو ملك نشرات الأخبار كما أطلق عليه زميلنا سامي حداد في المقابلة التي أجريتها في برنامجي بلا حدود مع بعض الزملاء بمناسبة مرور عشر سنوات علي انطلاق قناة الجزيرة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2006.
كان جمال ينفعل في تقديمه للأخبار والأحداث وكأنه يعيشها، وبالتالي فانه يجعل المشاهد يعيش فيها معه ومع المراسلين ومع الناس الذين ينقل عنهم الحدث، فكنت أشعر حينما يكون جمال علي الطرف الآخر في الدوحة أنه يشاركني تغطية المعركة من الفلوجة.
وقد تصادف أنه في الوقت الذي كانت فيه نشرة الحصاد تبث في الحادية عشرة ليلاً أن كانت الفلوجة تتعرض لقصف شديد من القوات الأمريكية المحاصرة لها، وكانت الطائرات المروحية تجوب أنحاء المدينة وكذلك طائرات الاستطلاع، وقامت معركة طاحنة بالقذائف بين المقاومة والقوات الأمريكية استمرت حوالي نصف ساعة خلال وقت الحصاد وما قبله، ولأننا كنا في الليل فلم نكن نري سوي برق بعض القذائف من بعيد، أما الأصوات فقد كانت واضحة تماماً، وقد قمت وأنا علي الهواء مباشرة بتغطية جانب من هذه الانفجارات والهجمات، وأشرت في التقرير المباشر الي تصاعد العمليات في أطراف المدينة وأن القوات الأمريكية قصفت سيارات كانت تتحرك بعد موعد فرض حظر التجول كان بها مدنيون، كما أبلغنا سكان بعض المناطق عبر الهاتف، فقد علم كل أهل الفلوجة وما حولها بمكان اقامتنا في بيت آل حديد، فكان الهاتف لا يكف عن الرنين حتي ان بعض السكان الذين كانوا تحت الحصار كانوا يتصلون بنا حتي نساعدهم في البحث عن مخرج.
كان كثير من السكان الذين يسكنون في الأحياء التي تقع في أطراف المدينة مثل الحي العسكري قد غادروها الي أماكن أكثر أمناً لدي أقارب لهم داخل المدينة، كما كنت أشاهد من علي سطح منزل حامد دخاناً في بعض أطراف المدينة جراء قصف الطائرات الأمريكية، علمنا أنه كان يتصاعد من بيوت قصفت من حي الجولان الذي كان أكثر أحياء المدينة تعرضاً للقصف بسبب وجوده علي خط تماس رئيسي مع القوات الأمريكية التي كانت علي الجانب الآخر من نهر الفرات.
وكانت لدينا معلومات مؤكدة من مراسلينا بأن هناك معارك طاحنة اشتعلت في هذا اليوم الأول لحصار الفلوجة في معظم أنحاء الأنبار في مدن الرمادي وحديثة والقائم، والخالدية، وبروانة.
ومن القرارات التي كانت القوات الأمريكية قد اتخذتها في ذلك اليوم هو الغاء كافة رخص حمل السلاح لأهل الفلوجة، حيث ان القوات الأمريكية سبق وأن منحت العراقيين رخصاً لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم بعدما انتشرت عمليات السلب والنهب وانعدام الأمن في كل أنحاء العراق بعد الاحتلال.


تعطل جهاز البث


انتهي حصاد اليوم في الساعة الثانية عشرة ليلاً، لكن المعارك في الليلة الثانية للحصار لم تتوقف طوال الليل بين المقاومة العراقية والقوات الأمريكية، وبعد انتهاء الحصاد أذكر أن الزميل عمرو الكحكي كان منتج نشرات الأخبار الليلية بعد الحصاد وحتي الصباح، وطلب مني أن أعد تقريراً ثالثاً أرسله بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً حتي يتم بثه في نشرات الأخبار الصباحية، أضمنه آخر التطورات التي وقعت في المدينة حتي منتصف الليل.
حتي يكون المشاهدون علي تواصل مع آخر التطورات من خلال نشرات الليل التي تشاهد في الولايات المتحدة واليابان والدول الأخري، رغم الارهاق الحاد الذي كنا فيه جميعاً الا أني وعدت عَمْراً أني سأعد التقرير وأرسله قبل أن أنام.
وبالفعل جلست وأعددت التقرير الثالث لنشرات الأخبار، وهذا رقم قياسي يمكن أن يعدّه أي مراسل من ساحة حرب، فأقصي ما يمكن فعله تقريران صباحي ومسائي، أما ثلاثة تقارير في يوم واحد فهذا أمر مرهق للغاية لكن الله وحده هو الذي كان يعيننا، وفي ساحات الحروب والظروف غير الطبيعية لا يدري الانسان حجم الطاقة التي يهبها الله له فيقوم بأداء أعمال ما كان له أن يقوم بها في الأيام العادية علي الاطلاق، وكانت نوبة عمرو هي النوبة الثالثة للعاملين في غرفة الأخبار، فهم يبدلون أعمالهم حينما تنتهي نوباتهم، لكن المراسلين لا سيما في ساحات المعارك يعملون طوال الوقت بالليل والنهار، ويلبون كل المطالب علي قدر ما يستطيعون لكل نوبات العمل الثلاث.
أعددت التقرير واخترت الصور وسجلت الصوت وانتهيت منه تقريباً قرب الثانية بعد منتصف الليل، كان المهندس سيف لا زال مستيقظاً فطلبت منه أن يقوم بتشغيل جهاز البث حتي نرسل التقرير للدوحة، وطلبنا من الزملاء في قسم البث في الدوحة وكذلك عمرو الكحكي أن يستقبل التقرير، وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً، الا أن الكارثة وقعت.
لقد تعطَّل جهاز البث... نعم تعطَّل جهاز البث، وبقينا أكثر من ساعة نحاول تشغيله لبث التقرير الثالث الي الدوحة ولكن دون جدوي، باءت كل المحاولات بالفشل.
ان تعطل الجهاز يعني أننا لن نستطيع أن نكمل ما نقوم به، فالصور هي الأساس ومراسل تليفزيون بدون صور لا يساوي شيئاً، قلت لسيف: انس التقرير الآن وهيا بنا نخلد قليلاً الي النوم حتي نستطيع التحرك مع انقضاء مهلة حظر التجول في السادسة صباحاً لنعرف ماذا حدث في المدينة أثناء الليل، أما الجهاز فحاول اصلاحه في الصباح .
وأبلغت الزملاء في الدوحة قرب الثالثة فجراً أننا لن نتمكن من ارسال التقرير لأن جهاز البث قد تعطل، والزملاء مرهقون للغاية وفي الصباح ان شاء الله سوف نعد تقارير جديدة.


حصاد الليلة الثانية


حاولت ألا أفكِّر في تعطُّل جهاز البث حتي أستطيع النوم ولو قليلاً، ولكن أنَّي لي أن يطرق النوم جفوني، فأنا بطبيعتي لا أنام بعمق وانما نومي خفيف للغاية وأي صوت ولو خافت يوقظني، علاوة علي ذلك فأنا لا أنام قبل أن ينام عقلي ويكف عن التفكير، وهذا ما أعاني منه بشكل دائم، وأنَّي لي أن أوقف تفكيري في ليلة مثل هذه!
اضافة الي كل ذلك كيف أنام وأصوات الانفجارات ودوي الاشتباكات لم تنقطع طوال الليل؟! وكان بعضها يبدو قريباً منا الي حدٍّ بعيد، بل كان يهتز له البيت.
ومع محاولات دؤوبة غفوت قليلاً ثم استيقظت علي صوت أذان الفجر؛ فالفلوجة مدينة المساجد والمآذن، لذلك فان أصوات الأذان تأتي اليك بشكل واضح ومرتفع في أي مكان تكون فيه، ورغم أني لم أغفُ سوي لحظات لكن كل حواسي كانت يقظة، وجلسنا بعد الصلاة نرتب ما الذي ينبغي علينا أن نقوم به مع بداية انقضاء ساعات حظر التجول في السادسة صباحاً.
قام حامد باجراء بعض الاتصالات مع معارف وأقارب له في أطراف المدينة لنعرف الأماكن التي تعرضت للقصف، وكان من الطبيعي أن تكون في أطراف المدينة في الحي العسكري وحي الجولان، وبعض الأحياء الأخري، ولأن مستشفي المدينة كانت تحت سيطرة القوات الأمريكية علي الضفة الأخري من نهر الفرات والمستشفي الميداني لم تكن قد افتتحت بعد، فلم يكن هناك سوي مستشفي خاص واحد يمكن أن يستقبل الجرحي في المدينة هو مستشفي الدكتور طالب الجنابي الذي كان يقع في الحي العسكري علي المدخل الشرقي للمدينة من جهة بغداد.
وحتي نعرف عدد القتلي والجرحي والأماكن التي قصفت كان لا بد أن نتوجه أولاً للمستشفي ثم بعد ذلك نقوم بزيارة بعض المدارس لنري طبيعة الحياة الدراسية في اليوم الثاني للحصار وكيف يتعايش الناس مع ما حولهم. وكان أهم شيء لدينا في تلك اللحظة هو كيف نصلح جهاز البث.بقي حامد في البيت يقوم ببعض الاتصالات ويجري بعض الترتيبات مع المهندس سيف الذي كان يحاول اصلاح الجهاز، ووضعنا خطة أن أتجه أنا الي شرق المدينة حيث الحي العسكري وأحاول الوصول الي حيث تقف القوات الأمريكية عند مدخل المدينة، وأقوم بتصوير المناطق والبيوت التي قصفت أثناء الليل، ثم أذهب الي مستشفي الدكتور طالب الجنابي للحصول علي آخر المعلومات عن عدد الاصابات من القتلي والجرحي.
وجاء معي المصوران ليث وحسان والسائق أبو عمر، وكان من بين الترتيبات التي كان حامد سيقوم بها هو الاتصال بزميلنا حسين دلي مراسل الجزيرة في الفلوجة الذي كان يقيم في حي الجمهورية في وسط المدينة، وكان معه كاميرا صغيرة، ليعرف ما ان كان قد حصل علي صور لأية عمليات قصف تمت في تلك المناطق، واتفقنا أن نعود الي مقرنا مرة أخري في بيت آل حديد قبل الثامنة صباحاً حيث طلب منا الزملاء في الدوحة أن يكون لي ظهور مباشر في نشرة أخبار الجزيرة هذا الصباح التي عادة ما تبث في الثامنة صباحاً، لنوافيهم بآخر تطورات ما حدث في الليلة الثانية من الحصار وما شاهدناه وقمنا بتصويره في الصباح من آثار القصف.
بعد ذلك أخبرت حامداً أني لن أستطيع أن أعدَّ التقارير الاخبارية لنشرات الأخبار وأتابع تقديم التقارير المباشرة علي الهواء في نفس الوقت، علاوة علي ادارة فريق العمل، ووضع خطط التغطية للنشرات الاخبارية، لذا عليه أن يستعد للقيام باعداد التقارير الاخبارية وتقديمها كمراسل، فلا بد أن نقوم بتوسيع وتوزيع دائرة ومهام العمل، لأن العمل المطلوب منا أكبر من طاقتنا بكثير لا سيما بعدما علمنا أننا بالفعل الفريق التليفزيوني الوحيد الموجود داخل المدينة.
ورغم أن حامداً لم يكن قد أعد أي تقرير اخباري من قبل سوي مرة واحدة، الا أني قلت له: ان الحروب كما تصنع قادة عسكريين وزعماء سياسيين فانها أيضاً تصنع صحفيين وعليه أن يستعد أن يكون صحفياً تصنعه حرب الفلوجة .
وقد أبلغت رئيس التحرير في الدوحة أحمد الشيخ بذلك فرحب ولم يمانع. وأعد حامد بالفعل أول تقرير اخباري وقد صحبته في تصوير معظم أجزائه علاوة علي استخدام بعض الصور التي التقطها سيف وليث في رحلتهما الصباحية معي، وقد نجح حامد في اعداد وتقديم التقارير بعد ذلك. وأذكر أني جلست معه مرة واحدة ورتبت معه كيف يكتب للصورة، وراجعت معه تقريراً واحداً أو اثنين علي الأكثر ثم أكمل هو باقي التقارير الاخبارية التي كانت تبث في نشرات الأخبار طوال الأيام التالية بعد ذلك بالتنسيق مع قسم المراسلين في الدوحة.
في نهاية شارع السد الذي يقع فيه بيت آل حديد يقع الطريق العام للفلوجة الذي يربط شرق المدينة القادم من بغداد بغربها المتجه الي مدينة الرمادي، ولا يبعد هذا الطريق عن بيت آل حديد سوي مئتي متر تقريباً، ما ان قطعناها واتجهنا شرقاً وأصبح الحي الصناعي الي يميننا وحي الضباط الي يسارنا حتي قال ليث الذي كان يجلس الي جوار أبي عمر في المقعد الأمامي للسيارة: انظر يا أحمد ولكن بحذر علي يمينك وتحديداً علي أسطح ورش الحي الصناعي .
نظرت فاذا بي أجد ما لم أكن أتوقعه.. يا الهي... انهم الجنود الأمريكيون هناك علي الأسطح ولا نبعد عن مرمي نيرانهم سوي أمتار قليلة. وحتي لا يحدث أي ارتباك من قبل الفريق قلت لأبي عمر: استمر في سيرك بهدوء ولا تتردد .كان مكتوب علي مقدمة سيارتنا بخط كبير وواضح باللغتين العربية والانجليزية عبارة صحافة وأعتقد أنهم بالعين المجردة أو من خلال المناظير كانوا يستطيعون قراءتها جيداً وأن يحددوا تفاصيلنا وتفاصيل كل ما معنا، ولأن الكاميرات التليفزيونية شكلها مريب من بعيد وتبدو حينما يضعها المصور علي كتفه ويبدأ التصوير كأنه يحمل مدفعاً مضاداً للطائرات أو قاذفاً عديم الارتداد، لذا فان ليثاً بشجاعته وذكائه فتح الكاميرا وهي علي ركبتيه وأخرج عدستها من طرف الشباك وأخذ يصور أسطح ورش الحي الصناعي التي كان الجنود الأمريكيون قد أخذوا مكامنهم عليها، وكانت هذه أول صور خاصة تبثها الجزيرة عن الجنود الأمريكيين داخل الفلوجة.
ولأن مستشفي الدكتور طالب الجنابي التي كانت وجهتنا الأولي لنعرف من خلال زيارتنا لها حجم الاصابات التي وقعت أثناء الليل، وكذلك الأحياء والبيوت التي تعرضت للقصف في الحي العسكري، فقد كان علينا اكمال الطريق الي آخره حيث تقع المستشفي في الحي العسكري علي مدخل المدينة من الجهة المعاكسة للجهة التي كنا نمشي فيها.
بعد ذلك بدت لنا بوضوح تام دبابتان أمريكيتان تسدان الطريق وكانت فوهات المدافع موجَّهة لنا تماماً، وكانت الدبابتان تقفان تماماً عند مدخل المدينة خارج نطاق المنازل والحي الصناعي الذي كانت كل محلاته مغلقة ولا يوجد بها أحد، وحينما وصلنا قرب نهاية ورش الحي الصناعي تراءت لنا قوات أمريكية اضافية تقف بكثافة علي جانبي الطريق وخلف الدبابات وأصبحنا نري الجنود الأمريكيين بشكل واضح مع سيارات ومدرَّعات كثيفة، فأصبحنا تحت مرمي نيرانهم من كل الجهات، ولذلك حاولنا أن نحافظ علي هدوئنا بشكل كبير، وبقينا كذلك حتي استدرنا يساراً من المدخل الذي يعيدنا الي مستشفي الدكتور الجنابي.
وكانت المستشفي تري من علي الطريق العام لكنها كانت علي بعد حوالي مئة متر الي الداخل من الطريق العام. وجدنا أمام المستشفي سيارة بيك أب تعرَّضت للقصف ولا زالت سحب الدخان تتصاعد منها، لكن الدخان كان مختلطاً برائحة كأنها كانت رائحة لحم آدمي يحترق، نظرت الي ليث والي حسين حتي يتقدم أحدهما ليستطلع ما في السيارة ثم يقوم بتصويره. تخوف حسين لكن ليثاً كان مقداماً فتقدم نحو السيارة وسرعان ما عاد مسرعاً ومضطرباً يسد أنفه بيد ويضع يده الأخري علي فمه، قلت له: ماذا بها؟ قال: جثة شخص محترق في الصندوق الخلفي، أما كابينة السيارة فانها ملطخة بالدماء.
ودعاني للذهاب لأري، لكن نفسي انقبضت وتألمت ولم أذهب، فصور ضحايا الحروب التي قمت بتغطيتها في أفغانستان والبوسنة والهرسك لا زالت عالقة في ذهني ولا أريد اضافة المزيد من الصور المؤلمة الي ذاكرتي، فهذه سيارة مدنية وتقف أمام مستشفي، فمن المؤكد أنها جاءت بجرحي أو مرضي، لكن الأمريكيين لم يراعوا ذلك وقاموا بقصفها، لكني قلت: لنتأكد مما حدث من ادارة المستشفي.وفي مدخل المستشفي كانت بعض بقع الدماء تغطي الأرضيات، وبعض الكتل الاسمنتية للواجهة متناثرة حيث كان واضحاً أن المبني تعرض هو الآخر للقصف، فيما كان أحد العمال يقوم بغسل الأرضيات من آثار الدماء، وما ان أخبرت موظفة الاستقبال أننا فريق قناة الجزيرة حتي جاء الدكتور طالب الجنابي صاحب المستشفي ومديره واستقبلنا، وأخبرني أنه يقيم الآن في المستشفي مع بعض الأطباء، وأنه قد حولها الي مستشفي طواريء عام لكل أهل المدينة بعدما سيطرت القوات الأمريكية علي المستشفي العام للمدينة ومنعت الجرحي والأطباء من الذهاب اليها، وقال:
ان القصف لم يتوقف طوال الليل حتي علي مبني المستشفي، الذي كان يبدو القصف وبعض الحطام علي واجهته ومدخله، وقام الزملاء بتصويره. وقال انه أخبر القوات الأمريكية بموقع المستشفي حتي يتجنبوا قصفه وأنهم ترددوا علي المستشفي عدة مرات ويعرفون موقعه جيداً، كما أنه يرفع لافتة كبيرة وعلامة مضيئة تشير الي أنه مستشفي، ومع ذلك فقد قامت القوات الأمريكية بقصفه في الليلة الماضية.
ثم سألته عن السيارة التي تقف أمام باب المستشفي وكان الدخان لا يزال يتصاعد منها، فقال: انها جاءت في الرابعة فجراً وكان فيها جريح حمله أبوه وأخوه حيث وضعوه في الصندوق الخلفي للسيارة بعدما قصفت القوات الأمريكية بيتهم، لكن ما ان وصلت السيارة الي باب المستشفي حتي تم قصفها من قبل القوات الأمريكية التي يمكن رؤيتها علي مسافة قريبة من المستشفي، فأصيب الأب وقد حاولنا انقاذهما لكن اصابتهما كانت بالغة فاستشهدا، أما الجريح الذي كان في السيارة فقد استشهد هو الآخر وجثته لا زالت محترقة في صندوق السيارة الخلفي كما رأيتموها.
قمت بعد ذلك بزيارة بعض الجرحي وتصويرهم، وسجلت نداء قمنا ببثه بعد ذلك للدكتور الجنابي طالب فيه بعدم قصف المستشفي والتعرض للجرحي أو السيارات التي تحملهم، كما تحدث عن الوضع الخطير الذي بدأ يحيط بالمدينة.بعد ذلك توجهنا للحي العسكري الذي يقع خلف المستشفي، حيث كانت بعض البيوت فيه قد تعرضت للقصف أثناء الليل فقمنا بتصويره.
ثم توجهنا الي مدرسة متوسطة الوفاق لتصوير مسار اليوم الدراسي فلم نجد في المدرسة سوي عشرين طالباً من أصل خمسمئة طالب هم عدد طلاب المدرسة. وأبلغني مدير المدرسة محمد هويدي أنه لم يستطع أن يمنح الطلبة اجازة لأن لديهم امتحانات ولأن الحي العسكري الذي يقع في طرف المدينة ـ وهو حي سكني وسمّي بالحي العسكري نسبة الي أن سكانه من الذين يعملون في الجيش ـ كثيراً ما يتعرض للقصف ومن ثم فان الطلاب كثيراً ما يتغيبون.
كما أخبرني السكان أن القصف طوال الليل كان عشوائياً وشديداً وأن معظم سكان الحي قد نزحوا عنه الي أقاربهم الذين يقيمون في وسط المدينة أو بعض الأحياء الأخري التي يتوقعون أن تكون أكثر أمناً.
حاولت أن أعود الي بيت حامد قبل الثامنة حتي نرسل الصور التي لدينا ونداء الدكتور طالب الجنابي، وأن أشارك مع الزملاء في الجزيرة هذا الصباح لكن الأمر كله كان متوقفاً علي اصلاح جهاز البث الذي تعطل في الليل.

ليست هناك تعليقات: