آخر المقالات

الاثنين، 8 سبتمبر 2008

خطة الهجوم



عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
منقول من الجزيرة نت
03.10.20004


اسم الكتاب: خطة الهجوم

المؤلف: بوب وودورد
-الطبعة: الأولى 2004
عدد الصفحات: 467
الناشر: سيمون آند شوستر-نيويورك


ربما كان بوب وودورد, مؤلف هذا الكتاب/ الوثيقة أشهر صحفي أميركي على قيد الحياة, إن لم يكن في تاريخ الولايات المتحدة برمته. فشهرته الصاعقة مبررة وانتزعت احترام الكثيرين بسبب جرأته ومثابرته، فهو الصحفي الذي كان وراء التنحي المخجل والمدوي للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1974, إثر فضيحة ووترغيت الشهيرة.
آنذاك كان وودورد (الصحفي الشاب في صحيفة الواشنطن بوست, مع زميل له هو كارل بيرنشتين) قد لاحق تفاصيل تلك الفضيحة ونشرها, وهي التي تمركزت حول إشراف نيكسون على عملية تنصت سرية وواسعة النطاق في مقر الحزب الديمقراطي المنافس بمبنى ووترغيت.
ومنذ ذاك الحين، تحتل كتب بوب وودورد رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة.
الكتاب الجديد الذي بين أيدينا لن يتسبب باستقالة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن, فهو لا يكشف ما لم يكن مكشوفا, بل يؤكده ويبرهن عليه، وهو أن قرار الحرب على العراق كان قد اتخذ عمليا بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بـ72 يوما, أي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001.
لكن هذا لا يقلل من أهميته، فالرصد الدقيق لمحاضر الاجتماعات على أعلى المستويات مذهل بكل المعايير, بل يدعو للتساؤل حقا عن كيفية وصول تلك المحاضر والتسجيلات إلى المؤلف.
فهو يقول إنه قابل 75 مسؤولا في أعلى مستويات الحكم بواشنطن, من البيت الأبيض إلى وزارة الدفاع والخارجية إلى السي آي أيه والجيش وغيرهم. وقابلهم أكثر من مرة, كما أنه قابل بوش ثلاث مرات بلغ زمنها مجتمعة ثلاث ساعات ونصفا في ديسمبر/ كانون الأول 2003 من أجل هذا الكتاب.
غير أن أهم ما جاء فيه, من وجهة نظر عربية, الإضاءات التي يلقيها هنا وهناك, وربما من غير قصد مباشر, على دور بعض المسؤولين والأنظمة العربية في الحرب, وتناقض مواقفهم المعلنة مع ما كانوا يتفقون عليه مع واشنطن. لذلك ستركز هذه القراءة على بعض الملامح "للدور العربي" في حرب بوش وإدارته على العراق.
ابتداء يؤكد لنا نص وودورد أن منطق الحرب كلها كان يقوم على أساس استغلال أحداث سبتمبر/ أيلول للرد بكل قوة ممكنة على "أعداء أميركا" من جهة وتنفيذ مراحل "الإستراتيجية الأميركية للقرن الجديد" التي كانت تتتظر فرصة ذهبية للانطلاق وفرتها تلك الأحداث من جهة أخرى. وكان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني يعبر أفضل تعبير عن ذلك التوجه بالقول إن على الإدارة أن تتبع خطابها الصقوري والصلب بأفعال, وإلا أصبحت شبيهة بإدارة الرئيس بيل كلينتون التي كانت تردد التهديدات لكن دون أن تتبعها بأفعال على الأرض.

الموقف المصري والسعودي


”مبارك أخبر بندر أن المخابرات المصرية في العراق أرسلت إليه تقارير تفيد بأن هناك مختبرات عراقية متنقلة يتم تحريكها وإخفاؤها من مكان لآخر في العراق. وبالطبع نقلت هذه المعلومة إلى الأميركيين الذين ظنوا أنها تؤكد ما لديهم من معلومات”

يسرد وودورد تفصيلات كثيرة بعد اتخاذ القرار بالحرب على العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001, وكيف تسارعت وصولا إلى فبراير/ شباط 2003.
ومما يذكره (في صفحة 312) أن السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان التقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بناء على تعليمات من الأمير عبدالله, قبيل جلسة مجلس الأمن التي عرض فيها كولن باول "الأدلة الأميركية" على وجود أسلحة دمار شامل عراقية, وذلك في الخامس من فبراير/ شباط 2003.
ويوحي وودورد للقارئ بأن تلك الزيارة كانت بتنسيق مع واشنطن للضغط على الفرنسيين لتأييد الحرب, لأن بندر نقل لبوش بعدها امتعاض شيراك من قلة الاحترام الذي يلاقيه من قبل الأميركيين وانعدام التعاون الاستخباراتي بين البلدين.
ثم يقول إن بندر التقى الرئيس المصري حسني مبارك, دون أن يذكر التاريخ, وإن مبارك أخبر بندر بأن المخابرات المصرية في العراق أرسلت إليه تقارير تفيد بأن هناك مختبرات عراقية متنقلة يتم تحريكها وإخفاؤها من مكان لآخر في العراق. وبالطبع نقلت هذه المعلومة إلى الأميركيين الذين ظنوا أنها تؤكد ما لديهم من معلومات.
الأمر الثاني المهم الذي قاله مبارك لبندر بن سلطان هو أن مبعوثا من صدام جاء إليه طالبا أن توفر مصر قصرا رئاسيا لعدد من النساء والأطفال, سوف يكشف عنهم لاحقا وهم عائلات صدام نفسه في ما يبدو, مع مبلغ هائل من المال النقدي.
وقال مبارك إن رده كان استعداد مصر لاستقبال النساء والأطفال, لكنها غير مستعدة لاستقبال أي مسؤول عراقي دون الاتفاق مع الولايات المتحدة.


فكرة نفي صدام


”رغم تصريحات بوش ورايس قبل الحرب بشهر بأن عزل ونفي صدام قد يكون مقبولا, فإن بوش وبعد تردد قال إنه لن يعطي ضمانات لأي دولة بعدم التعرض لصدام”


في السابع من فبراير/ شباط أرسل مبارك ابنه جمال إلى واشنطن للقاء بوش, ونقل رسالة إليه تفيد بأن مصر تعتقد أن لدى صدام أفكارا بقبول فكرة الاعتزال والنفي, اعتمادا على مؤشر إرسال عائلته إلى مصر.
وقال له إن الأردن وتركيا والسعودية منخرطة في مفاوضات مع صدام حول هذه الفكرة. وإنه يسأله, أي بوش, عن رأيه, وإن كان بإمكانه أن يعطي ضمانا بأن أميركا لن تتعرض لصدام في منفاه.
لكن ورغم تصريحات بوش ورايس قبل ذلك بشهر بأن عزل ونفي صدام قد يكون مقبولا, فإن بوش وبعد تردد قال إنه لن يعطي ضمانات لأي دولة بعدم التعرض لصدام.
ويمكن للقارئ هنا أن يستنتج, إن صحت رواية وودورد, وجود فرصة حقيقية لتفادي الحرب لو عملت مصر والسعودية والأردن على خيار نفي صدام بجدية, خاصة مع تأييد فرنسا القوي للفكرة.


ضرورة إعلام السعودية مسبقا بخطط الحرب

يذكر وودورد قراءه بأن ديك تشيني في حرب الخليج الأولى, وكان وقتها وزيرا للدفاع, استدعى السفير السعودي في واشنطن بندر بن سلطان في اليوم الثاني للغزو العراقي للكويت, أي في الثالث من أغسطس/ آب, وأعلمه بنية الولايات المتحدة الحازمة طرد العراق بالقوة العسكرية من الكويت والدفاع عن السعودية, وأنها تطلب استخدام الأراضي السعودية لهذا الغرض.
أجاب بندر بأنه سيكون النصير الأكبر للطلب الأميركي عند الملك فهد، وحضر الاجتماع أيضا برفقة تشيني كولن باول رئيس هيئة الأركان آنذاك وبول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع لشؤون السياسات في تلك الفترة.
وكرر تشيني نفس المشهد في 11 يناير/ كانون الثاني 2003, فعندما أصبح مخطط الحرب مؤكدا، استدعى بندر بن سلطان إلى الجناح الغربي في البيت الأبيض, وبحضور وزير الدفاع دونالد رمسفيلد, ورئيس هيئة الأركان الجنرال ريتشارد مايرز, وأخبره بنية الولايات المتحدة خلع صدام, وبأن القوات الأميركية ستحتاج استخدام الأراضي السعودية في حربها.
كان هذا هو الطلب الرئيسي, ومن أجله عرض الجنرال مايرز خريطة سرية أمام الأمير بندر من سلطان تشرح مخطط العمليات العسكرية لغزو العراق.
كانت الخريطة موسومة بثلاث كلمات، سري للغاية نوفورن (To Secret NOFORN) والكلمة الأخيرة NOFORN هي اختصار لكلمتين هما No Foreign أي لا يجور إطلاع أي أجنبي (غير أميركي) على تلك الخريطة.
قال مايرز لبندر إن الحملة ستبدأ بقصف جوي مركز يستمر عدة أيام فقط, لكن سيكون هائلا وأكثف وأقوى ثلاث أو أربع مرات من القصف الذي استمر لمدة 42 يوما في الحرب الأولى.
طلب بندر بن سلطان أن يأخذ نسخة من الخريطة كي يريها للأمير عبدالله حتى يقنعه بجدية الأميركيين هذه المرة بخلع صدام, لكن تشيني ورمسفيلد ومايرز رفضوا, وقالوا له إن بإمكانه أن يأخذ أي ملاحظات لكن عليه أن يتأكد جدا أن الهدف الأميركي هذه المرة لا محيد عنه, وأنه بإمكانه نقل ذلك الإصرار إلى ولي العهد.
غير أن بندر طلب أن يسمع مثل هذا التأكيد من الرئيس نفسه، وفي اليوم التالي اتصلت به مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليزا رايس ودعته لمقابلة الرئيس يوم 13 يناير/ كانون الثاني.
وفي لقائه بوش الابن سمع نفس التأكيدات التي طلب منه أن ينقلها للأمير عبدالله، لكن بوش بدا متهيبا بعض الشيء من أمرين، معارضة الأوروبيين من جهة, والتخوفات التي تضمنتها تقارير رفعت إليه تقول إن العالم العربي والإسلامي قد يثور ضد المصالح الأميركية في حال قيام الحرب.
بيد أن بندر بن سلطان فند الأمرين، فالأوروبيون لا يستطيعون المساعدة في إطاحة صدام, وعاجزون في الوقت نفسه عن الإضرار بأي مخططات أميركية، أما التخوفات والتقارير بشأن الموقف العربي والإسلامي فقد قال بندر للرئيس إن نفس التقارير توقعت نفس الشيء في الحرب الأولى, لكن العالم العربي والإسلامي لم يتحرك, وعليه فلا يجب الاكتراث لهذه التوقعات (ص 267).
بعدها بعدة أيام طار بندر إلى السعودية ونقل للأمير عبدالله الرسالة الأميركية، وطلب من الأمير عبدالله ألا يخبر أحدا حتى يتبين للأمير ما ينبغي فعله.

ليلة إعلان الحرب

”قال السفير السعودي لدى أميركا بندر بن سلطان لمستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليزا رايس إن الصورة التي أخذها المصور لهما ستكون تاريخية لأنها تؤرخ بأنه الأجنبي الأول الذي علم بالحرب مباشرة, وليس عن طريق التلفون”


يتميز الفصل الخامس والثلاثون من الكتاب بإثارة خاصة, ففيه تفاصيل دقيقة لليلة قرار إعلان الحرب وتقديمه. فالحرب التي كانت ساعة صفرها مقررة لتكون في يوم الجمعة 21 مارس/ آذار قدمت لتكون يوم الخميس 20, وذلك بسبب إغراء معلومات استخباراتية من فريق "روك ستارز" (ROCKSTARS) أفادت بوجود صدام حسين وولديه في إحدى المزارع التي رصدها عملاء السي آي آيه بالعراق.
الفريق المذكور كان بمثابة العمود الفقري الاستخباراتي المعتمد على عناصر بشرية في الميدان, عراقية وغير عراقية, واستطاعت أن تقترب من الدائرة الضيقة لصدام حسين وترصد تحركاته، بناء على تلك المعلومات اجتمع أركان قيادة بوش، رمسفيلد ورايس وتينيت وباول ومايرز (وكذلك توم فرانكس عبر الهاتف من قاعدة السيلية في قطر) بالإضافة إلى كاتب خطابات الرئيس.
كان التداول يدور في ما إن كانت المعلومات الاستخباراتية على قدر كبير من الموثوقية يستأهل القيام بتقديم موعد الحرب المتفق عليه مع بريطانيا وبقية الحلفاء, الذي بالكاد يأتي بعد نهاية إنذار الـ48 ساعة الذي أصدره بوش لصدام وولديه لمغادرة العراق إن أرادا تفادي الحرب.
بعد إيراد تفاصيل كثيرة وكلام وموقف كل من القيادات الكبرى كان القرار الجماعي هو ضرب المزرعة التي كان سيأوي إليها صدام حسين واعتبار تلك الضربة بداية الحرب.
وقبيلها يجب إعلام الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة بهذا التحول، فاتصل جورج بوش بالمفوض البريطاني لمتابعة الحرب في واشنطن وطلب منه إبلاغ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير, كما طلب من كوندوليزا رايس إعلام السفير السعودي بندر بن سلطان والإسرائيليين.
وحين اتصلت رايس بوزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال لها إنه على علم بآخر التطورات (أي بالقرار الجديد للحرب) وتمنى لهم حظا طيبا.
كما أنها اتصلت ببندر بن سلطان, وطلبت منه أن يأتي إلى البيت الأبيض للضرورة في السابعة و45 دقيقة مساء بتوقيت واشنطن. فأشار إليها السفير بأن زياراته للبيت الأبيض بعد أوقات الدوام الرسمي (السادسة والنصف مساء) أصبحت تثير لغطا, خاصة أن كثيرين أصبحوا ينظرون إلى تلك الزيارات المتأخرة على أنها لقاءات مع الرئيس نفسه, لكن رايس قالت له إن الأمر عاجل.
اضطر بندر بن سلطان كما يقول وودورد ألا يرافق زوجته في تلك الليلة وجمعا من أقاربه لعشاء عائلي كان قد حجز له مطمعا كاملا في منطقة جورج تاون في واشنطن.
ولما جاء إلى البيت الأبيض استقبلته "كوندي" كما يناديها في الثامنة و25 دقيقة وفوجئ بمصور فوتوغرافي يعمل لصالحها يلتقط صور المصافحة.
ولما سألها ما العاجل؟, قالت له "إن الرئيس طلب مني إخبارك ...", فأكمل بندر "أننا ذاهبون إلى الحرب". وأردف قائلا إنني أقابلك في هذا المكتب منذ عامين ولم يكن هناك أي مصور, كما أن انتهاء فترة الإنذار لصدام حسين وأولاده يعني أنها الحرب.
وسألها عما إن كان هناك أي أجنبي غيره يعرف بالحرب, فقالت لا, لكن الإسرائيليين أصبحوا الآن يعلمون بها، ثم أضاف أن الصورة التي أخذها المصور ستكون تاريخية لأنها تؤرخ بأنه الأجنبي الأول الذي علم بالحرب مباشرة, وليس عن طريق التلفون.
قالت له: ستفتح أبواب الجحيم في التاسعة مساء, وأصر صديقك, الرئيس, أن تعلم بالأمر مباشرة، فعقب بندر مازحا: قولي له إنني في المرة القادمة التي سأراه إذا اندلعت الحرب سأكون حليقا، فقالت رايس مرة أخرى: لا تتعجل, فلا أحد يعرف ماذا سيحدث في الـ54 دقيقة القادمة, وكيف سيتغير العالم للأفضل أم الأسوأ. سأل بندر: ولكن أين الرئيس الآن؟ أجابت رايس: إنه يتناول عشاءه الآن مع السيدة الأولى, وبعدها طلب أن يكون وحيدا. فقال لها بندر: قولي له سيكون في دعواتنا وقلوبنا, فليساعدنا الله جميعا.
في الثامنة والنصف اتصل الرئيس مع رايس أثناء وجود بندر, وسألها عنه فأجابت بأنه, أي بندر, ما زال معها وأنها أخبرته, وأنه طلب منها أن يقول للرئيس بأنه في صلواتهم. ثم أقفلت التلفون قائلة لبندر إنه يشكرك ويقول تابعوا الدعاء والصلاة (صفحات 394 و395).بعدها خرج بندر من اجتماعه القصير مع رايس, واتصل فورا بالأمير عبدالله ليخبره بقرب اندلاع الحرب في الدقائق القليلة القادمة برموز وعبارات متفق عليها، فكانت كلمة السر التي قالها للأمير عبدالله على الهاتف: أخبار الطقس تقول إنها ستمطر بشدة في الروضة الليلة (ضاحية في الرياض). فقال له الأمير: أمتأكد أنت؟ فأجاب بندر: متأكد جدا, وتابع التلفزيون الليلة .

ليست هناك تعليقات: