آخر المقالات

الجمعة، 24 أغسطس 2007

فصول من كتاب حرب فلسطين: مذكرات جمال عبد الناصر ويوميات محمد حسنين هيكل -5





فصول من كتاب حرب فلسطين: مذكرات جمال عبد الناصر ويوميات محمد حسنين هيكل (5) عبدالرحمن عزام: بدأت أحس بالكارثة ذات يوم في عمان. كنت احرض الأمة علي القتال. والناس اساءت فهم موقفي عندما امسك الملك عبدالله بلحيته قائلا: يا عزام لا أقصد القدس القديمة أو الجديدة أنا ماض الي تل أبيب. اصبر عليّ




منقول من القدس العربي
23/08/2007




محمود صلاح

ہسوف تظل حرب فلسطين أحد أهم الفصول في كتاب تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي ـ مهما مضت سنوات الزمان.هذه الحرب التي كانت لها مقدماتها وأحداثها وتداعياتها.
أما المقدمات فقد كانت انعكاسا لحال مصر السياسية أيامها. وحال الأمة العربية أيضا. وأما تداعياتها فأغلب الظن أنها باقية حتي اليوم.وتبقي أحداث حرب فلسطين 1948 برغم السنوات التي انقضت عليها. مثل كرة بللورية مليئة بالانعكاسات والأشكال المختلفة. تختلف رؤيتها باختلاف الراوي والسامع.ومهما كتب عن حرب فلسطين ومهما اجتهد المؤرخون وأصحاب الآراء والتحليلات.
تظل شهادات الأبطال هي الأقوي والأوضح تأثيرا.وهذه شهادة اثنين من أبطال هذه الحرب..الأول.. ضابط مقاتل عاشها وواجه الموت بالرصاص فيها. ووسط ظلام خنادقها ورائحة البارود والموت عرفه العدو الحقيقي.
طريق النور لنفسه ولشعبه.الثاني.. كاتب صحافي نادر. حمل قلمه الي ارض المعركة. وارتدي الملابس العسكرية لأول مرة في حياته. وسجل بأمانة لبني قومه تفاصيل هذه الحرب وما سبقها وما حدث فيها.وعلي السطور القادمة تفاصيل شهادة الاثنين.

الكارثة.. رسمها الإنكليز من وراء ستار

لم يذهب نداء الكاتب محمد حسنين هيكل لشهود الحق علي أسرار حرب فلسطين بالتقدم للإدلاء بشهاداتهم وكشف الأسرار حبيسة الصدور، لم يذهب هذا النداء سدي!فقد تقدم عبد الرحمن عزام الذي كان أمينا للجامعة العربية قبل الأزمة وخلالها وبعدها، تقدم عزام الذي عاش في أعماق الحوادث والأسرار لكي يدلي بشهادته.
ورغم أن هيكل يعترف في يومياته بأن شهادة عبد الرحمن عزام تبدو أنها تلقي أشعة من الضوء في ناحية معينة من القضية، لكنه يتحفظ ولا يتسرع في التعليق علي هذه الشهادة. ويقول هيكل: لن أسبق الحوادث.. وسأحاول أن انتظر.. مؤقتا!

شهادة عبد الرحمن عزام

بأسلوب بليغ وواضح يبدأ عبد الرحمن عزام أمين جامعة الدول العربية شهادته فيقول:قبل أن أقف أمام التاريخ..لأفتح قلبي وذاكرتي معه وأقول بدوري بعض ما أستطيع أن أقوله عن الظروف التي دخلت فيها مصر حربا رسمية في فلسطين، أريد أن أقول كلمة صغيرة!أريد أن أتكلم عن المستقبل مستندا الي عبرة الماضي..والشيء الذي أريد أن أقوله شيء واحد، واضح في ذهني، محدد التفاصيل. أنا أطالب بتحقيق في حرب فلسطين!
أطالب بتحقيق ذي اتجاهين..Cاتجاه سياسي.. لتحقيق المسؤولية في دخول الحرب نفسها. واتجاه عسكري.. لتحقيق أسباب الهزيمة العسكرية بعد الدخول!والاتجاه السياسي مقدمة، ولكن الاتجاه العسكري في رأيي أهم لأنه هو الذي يمضي الي المستقبل.
ان الاتجاه السياسي لن يقودنا إلا لأن نحكم علي مجموعة من السياسيين كانوا يتولون أمر البلاد العربية. نحكم عليهم بما يرضيهم أو بما يغضبهم، بما

يضعهم في اليمين، أو بما يضعهم في اليسار!هذا أمر سهل وميسور..منه في رأيي هو الأسباب العسكرية للهزيمة. ذلك لأننا يجب أن نعرف لماذا هزمت جيوشنا، وترتب سياسة إعدادها للمستقبل وتدريبها وتجهيزها علي أساس العبرة العملية المستفادة من تجربة المعركة نفسها. ان مصر تصرف 50 مليون جنيه في السنة علي اعداد جيشها..

الدول العربية تصرف مجتمعة ما يقرب من خمسين مليونا أخري. فلو كان الأساس الخاطئ الذي دخلت عليه جيوش هذه الدول من الناحية العسكرية الي فلسطين ما زال قائما فان هذا المال، مئة مليون جنيه كل سنة، وهذا الجهد يكون كله ضائعا مع الهواء لا يؤدي غرضا ولا يحقق هدفا!

أذكر أنه بعد انتهاء معارك فلسطين الي النتيجة التي انتهت إليها، بدأت هذه الفكرة تلح عليّ، وكنت وقتها أمينا عاما لجامعة الدول العربية أسعي في حدود ما أستطيع الي تحقيقها. ويمضي عبد الرحمن عزام قائلا في شهادته:وأذكر أنه عرضت عليّ في ذلك الوقت خدمات جنرال ألماني كبير هو اللفتينانت جنرال آرثر شميث، وكان من أركان حرب الماريشال روميل، وعاش معه وعاصره خلال كل معارك الصحراء.
وقلت لنفسي: أستعين بهذا الجنرال الكبير للفكرة التي تسيطر علي خاطري!وبالفعل اتخذت التدابير لحضور هذا الجنرال، وتكلمت مع بعض المسؤولين في مصر في ذلك الوقت وأبدوا تقديرا لهذه الفكرة، وبدأ الرجل يعمل لها سرا، ولكننا عجزنا عن أن نضع بين يديه الوسائل والمعلومات التي تمكنه من دراسة المواقف في جبهات الجيوش العربية التي خاضت حرب فلسطين بالدقة الواجبة لدراسة عسكرية يقدم بها رجل في مثل خبرته وقدرته!وبقي الرجل فترة من الزمن في الانتظار!ثم قرر أنه لا يستطيع أن ينتظر أكثر مما انتظر.. ومضي!وأنا أرجو أن تتكرر المحاولة وتكون ناجحة هذه المرة.
ولقد بت مقتنعا أنه يجب أن تجري هذه المحاولة، ويجب أن تقوم بها مجموعة من العسكريين المحايدين. وأنا أقترح استقدام هيئة من الخبراء الألمان تقوم بهذه الدراسة المحايدة وتقدم النتيجة الي هيئات أركان حرب الجيوش العربية التي تتعهد بألا تغضب من الحقيقة، وانما تحاول أن تفيد من كارثة التجربة! وأنا لا أريد أن أسبق الحوادث..Cولكن أنا واثق أن أي تحقيق فني محايد سوف يثبت حقيقة واحدة تبدو علي الأقل أمام عيني جلية ظاهرة، هذه الحقيقة هي أننا نحن العرب دخلنا فلسطين ونحن أقوي عددا وعدة من اليهود!
بل انني واثق أنه فيما يتعلق بالمدفعية مثلا كانت مدفعية أي جيش عربي من الجيوش العربية الزاحفة أقوي وحدها من مدفعية اليهود كلها!هذه مسألة هامة..لأنها تتعلق بالبناء للمستقبل، وأهم في رأيي من شنق مجموعة من السياسيين لأخطاء أصبحت الآن وأصبحوا معها قطعة من الماضي!

مؤتمر عاليه

عبد الرحمن عزام قائلا في شهادته:

أعود الي الموضوع الأساسي

كشاهد حق أمام التاريخ في دخول الجيش المصري حربا رسمية في فلسطين .أذكر أن مؤتمر عاليه كان أول مناسبة تطرح فيها فكرة دخول الجيوش العربية حربا رسمية سافرة في فلسطين، وكانت كل من العراق وسورية متحمسة للدخول.
وأذكر أن أحد ممثلي العراق اندفع في حماسته فأمسك خريطة ومضي يشرح لنا عليها كيف يمكن للجيش العراقي أن يتوغل في فلسطين حتي يصعد قمة جبل الكرمل ويحرر حيفا من اليهود!
وأذكر أن النقراشي يرحمه الله وقد حضر المؤتمر مع غيره من رؤساء الحكومات العربية كان ضد هذا الاتجاه، وكانت له في ذلك أسباب سياسية أستطيع أن أقول أنه لم يكن من بينها خشيته من هزيمة عسكرية.

أنا في ذلك الوقت أقف موقفا وسطا!

أكن أعارض في دخول الجيوش العربية معارضة كاملة حاسمة، ولكن كذلك لم أكن أؤيد دخولها!وكنت أعتقد أن قوات المتطوعين تستطيع أن تقوم بالعبء الكبير علي شرط أن تحس بالسند المعنوي الضخم من جيوش العرب.
في المؤتمر علي حل وسط.أقرب الي رأيي الخاص!هذا الحل أن نعطي كل ما نستطيع لجيوش المتطوعين، وأن نطلب من جيوش الدول العربية أن تنقل مراكز تدريبها الي الحدود المشتركة بينها وبين فلسطين!
وأذكر أن النقراشي اتصل بي بعد عودتي الي مصر. ہ وقال لي: لقد نقلنا معسكر التدريب العسكري الكبير للجيش المصري الي الحدود.. وهناك الآن ثلاث كتائب يجري تدريبها فيه!أنني حرصت في ذلك الوقت بصفتي أمينا عاما لجامعة الدول العربية علي أن أطمئن الي أن كل دولة من الدول العربية قد نفذت قرارات مؤتمر عاليه .
وأذكر أنني أيضا في تلك الفترة سافرت الي العراق لكي استعجل نقل معسكرات تدريب الجيش العراقي الي الحدود تنفيذا لما اتفقنا عليه، وكنت في كل مرة أتلقي تأكيدات بأن الأمر موضع التنفيذ!الجيش المصري هل يدخل ام لا عبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية في تلك الفترة الحساسة من تاريخ الأمة العربية في كشف مواقف الدول العربية قبيل دخول حرب فلسطين.. فيقول:
ومع مضي الأيام بعد ذلك أحسست أن هناك جيوشا عربية سوف تدخل فلسطين يوم 15 ايار (مايو) علي أي حال، ولم أكن أعارض في هذا، ولم أر أي مبرر في المعارضة، وما دامت هناك دول عربية تريد أن تضع جيوشها الرسمية بجوار قوات المتطوعين.. فأي ضرر في هذا؟! .ولقد أيقنت أن الجيش الأردني مثلا سوف يدخل الحرب..
ولكن الذي لم يخطر بخيالي أن الجيش الأردني سوف يلزم نشاطه في حدود التقسيم ولا يتعداها!ثم تترتب علي ذلك أخطر النتائج..أما مصر فقد كانت كل معلوماتي تقول: أن الجيش المصري لن يدخل!
وأذكر أن السيد شكري القوتلي كان وقتها رئيسا للجمهورية السورية. سألني: هل الجيش المصري سيدخل الحرب؟ہ قلت له: ان المعلومات التي لدي تقول أنه سيقف علي الحدود في حالة استعداد.. لكنه لن يدخل!
وأذكر أيضا أنني في يوم 14 ايار (مايو) قبل الدخول بيوم واحد، وقفت بجوار المغفور له الملك عبد الله، وكان الملك عبد الله يستعرض جيشه الداخل الي فلسطين. ومال عليّ الملك عبد الله..وسألني: لقد تلقيت من مصر أنباء تقول أن موقفها تغير، وأن الجيش المصري سوف يدخل المعركة.ہ قلت له: انني لم أسمع بحدوث أي تغيير..
وأظن أن الجيش المصري سوف يلازم مواقعه علي الحدود المصرية!ولكن الذي حدث بعد ذلك أن الجيش المصري دخل فعلا!وأذكر بعدها أنني عدت الي مصر وسألت النقراشي عن سر هذا التحول.
وأذكر أنه قال لي بالحرف الواحد: والله يا عبد الرحمن أنا وجدت أنه لا حالتنا الداخلية ولا حالة الأمن فيها ولا كرامتنا تسمح لنا أن ننتظر!وكانت المعركة تشغلنا في بدايتها عن أي شيء آخر.. وكنت أحب أن أستزيد من النقراشي إيضاحا في المسائل الثلاث التي أوردها في عباراته وهي:ہ حالتنا الداخلية. حالة الأمن الداخلي.كرامة مصر. الظروف لم تواتني..شغلنا بالظروف الجديدة وتطوراتها واضطررت الي السفر الي عواصم الدول العربية، ثم قتل النقراشي وذهبت أسراره كلها معه.

وعلي أي حال..يكن هناك في البداية ما يشعر أن كارثة تنتظرنا.

الكارثة المتربصة بناويستمر عبد الرحمن عزام في شهادته قائلا:بدأت أحس بالكارثة المتربصة بنا ذات يوم في عمان، وربما كنا يومها في الثالث عشر أو التاسع عشر من شهر ايار (مايو) سنة 1948، أي بعد دخول الحرب بأربعة أيام !
كنت يومها منهمكا في تحريض الأمة العربية علي القتال..وهنا وقفة أحب أن ألفت إليها الأنظار..لقد كنت أحرض علي القتال بعد أن دخلنا المعركة فعلا لأنه كان من واجبي أن أفعل ذلك، ولكن الناس خلطوا بين التحريض علي القتال بعد بدء المعركة وبين الدعوة لدخول الحرب فعلا، وهما أمران بينهما فارق هائل وأعود الي اليوم الذي أحسست فيه بالكارثة المتربصة لنا علي الطريق!
زرت الجبهة العربية في القدس القديمة، ثم عدت الي عمان، وهناك قابلت فيها الأميرلاي سعد الدين صبور اللواء فيما بعد وكان يومها رئيسا للبعثة العسكرية الاستشارية المصرية لدي القيادة العامة للجيوش العربية.
وقلت لصبور: ان الموقف في القدس يبعث في نفسي شعورا بالقلق. لقد كان يجب أن يبدأ الهجوم علي القدس الجديدة ولكني رأيت مواقع الجيش العربي ومراكز تجمعه وهي ليست مواقع قتال فيما بدا لي، وأنا لا أدعي خبرة فنية في الحروب.
لكن ما أعرفه عنها يسمح لي بالقلق!وأذكر أن صبور طمأنني..وقال لي أنه يعرف أن هناك خطة، وأن المواقع التي لم يبد لي أنها تجمعات قتال تحقق الهدف من الخطة!أيام والقدس لم تهاجم..قلقي..الي الأمير عبدالإله الوصي علي عرش العراق وقتها وكان في عمان..ہ
وقلت له: الموقف في القدس يقلقني.. وأنا أشم فيه رائحة!وأذكر أن الأمير عبد الإله ذهب معي الي عمه الملك عبد الله وسمعني وأنا أصارح الملك عبد الله بمخاوفي. ہ وقلت للملك: يا سيدنا.. أنا رجل يحس أن رأسه في المشنقة.. وأنا غير مطمئن للذي يحدث في القدس، ومن واجبي أن أصارحك بهذا، والآن اما أن تأمر بالاستيلاء علي القدس القديمة فورا ثم بعدها نهاجم القدس الجديدة، واما أن أقف أمام الشعوب العربية وأصارحها بمخاوفي!
أمسك الملك عبد الله بلحيته ولزم الصمت فترة..ثم قال: يا عزام.. أنا لا أقصد القدس القديمة فقط أو القدس الجديدة بعدها، وانما أنا ماض بعون الله الي تل أبيب.. اصبر عليّ!ہ قلت له: إذا دخلت الي تل أبيب فسوف أقف فيها وأتوجك، حتي ضد الأمة العربية كلها!قال لي الملك عبد الله: انتظر عليّ.. سوف نهاجم القدس القديمة ونطهرها.. وسوف نحاصر القدس الجديدة ونسقطها بالحصار.. وبعدها تل أبيب!وانتظرت..وتم تطهير القدس القديمة. بعد ذلك لا شيء. ولم أدرك إلا بعدها أن أصابع الإنكليز كانت تلعب من وراء ستار!
لقد قصدوا ألا تسقط القدس الجديدة ولا تحاصر..ورتبوا بمعاونة رجالهم ألا يتحرك الجيش الأردني.. إلا في إطار التقسيم! الفصل السابعمفتي فلسطين.. يطلب 12 إجابة!
عن حرب فلسطين وأسرارها لا يكون كاملا إلا إذا اعتبرنا يوميات الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل إحدي وثائق هذه الحرب التي رسمت خريطة جديدة علي رقعة الشرق الأوسط. لقد عاش هيكل أحداث هذه الحرب كمراسل عسكري..وشاهد بعينيه معاركها، والتقي بالرموز العربية التي كانت لها أدوار سواء علنية أو خفية بأسرار هذه الحرب.
وسجل هيكل في يومياته كل هذا بصراحة منقطعة النظير.. وأضاف الي انطباعاته وتحليلاته ساحة كافية تماما لرسم صور الشخصيات العربية التي كانت وراء أحداث حرب فلسطين، وجعل هذه الشخصيات تنطق وتتكلم لتكتمل الصورة المأساوية لظروف وخلفيات هذه الحرب التي أثرت علي مصر وعلي فلسطين وعلي العرب تأثيرا ما زالت له تداعياته الهامة حتي اليوم.
وقد وجه هيكل في يومياته نداء الشهود الحق علي حرب فلسطين لكي يتقدموا للإدلاء بشهاداتهم المخلصة أمام التاريخ..وأسرع عبد الرحمن عزام الذي كان أمينا عاما لجامعة الدول العربية أيامها للتقدم بشهادته التي انتهي فيها الي أن الإنكليز كانوا يلعبون من وراء الستار ضد مصر والعرب، وأنهم كانوا وراء الكارثة التي حاقت بالجيوش العربية في فلسطين، وأنهم كانوا وراء ضياع القدس!
ثم جاءت الحلقة الأخيرة من يوميات هيكل عن حرب فلسطين لتقدم لقارئ التاريخ جانبا من أسرار كواليس هذه الحرب. وكان حديثا بين هيكل والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الذي عاش في أعماق الحوادث ووعي في أعماق قلبه كل أسرارها.
لكن الحاج أمين الحسيني طلب أن يكتب هيكل ثم يجيب عليها الحاج الحسيني كتابة لكي يخرج كل حرف يريد أن يقوله في حدود المعني الذي يقصده. وكتب هيكل سبعة أسئلة لمفتي فلسطين..ہ كتب هيكل سؤاله الأول الذي يقول: ما الذي كنتم تعلمونه عن موقف الجيش المصري من دخول حرب رسمية في فلسطين؟كتب الحاج أمين الحسيني يرد السؤال: الذي أعلمه أن الجيش المصري لم يكن مقررا له دخول حرب رسمية في فلسطين، وقد سمعت ذلك صراحة من المرحوم النقراشي الذي كان رئيسا للوزارة حينئذ، كما سمعته من غيره من المسؤولين، حتي أنه عندما اقترح رئيس إحدي وزارات الحكومات العربية في اجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية الذي انعقد في اذار (مارس) 1948 في القاهرة بدار وزارة الخارجية المصرية، أن يعقد اجتماع لرؤساء أركان حرب الجيوش العربية للبحث والمداولة في حالة فلسطين، عارض المرحوم النقراشي ذلك معارضة شديدة، بحجة أن اجتماع هؤلاء قد يفسر بأن هناك نية في دخول حرب فلسطين، مع أن مصر ليس لها هذه النية إطلاقا.
وكانت سياسة مصر في ذلك الحين مؤيدة وموافقة كل الموافقة لرغبة المسؤولين الفلسطينيين، في أن لا تدخل الجيوش العربية فلسطين، بل يقوم الفلسطينيون أنفسهم بالدفاع عن بلادهم، وأن تقدم لهم المساعدة بالسلاح والذخائر، والأموال وكل الوسائل الممكنة. ہ يكتب له هيكل سؤاله الثاني:
- متي علمتم أن الجيش المصري سوف يتدخل.. وكيف؟يرد الحاج أمين الحسيني: لم أعلم بعزم الجيش المصري علي التدخل إلا قبيل دخوله بوقت قصير جدا. فقد كنت في دمشق في شهر ايار (مايو) 1948 بمناسبة اجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، وسمعت ذلك من الإذاعة، ثم قرأت الخبر في الصحف هناك. ہ يسأله هيكل: وهل كان هذا التدخل مفاجأة لكم.. ولماذا؟
يرد مفتي فلسطين: لقد كان دخول الجيش المصري مفاجأة كبري لي، لأني كنت مطلعا علي خطة مصر ورغبتها الأكيدة في عدم الدخول. ہ يسأله هيكل: وهل كان من رأيكم هذا التدخل.. ولماذا؟
يرد الحاج أمين الحسيني: لم يكن من رأيي دخول الجيوش العربية فلسطين، بل كان رأيي أن يقوم أهل فلسطين أنفسهم بالدفاع عن بلادهم، مؤيدين بمساعدة الأقطار العربية بالأسلحة والذخائر والأموال والخبراء العسكريين والمتطوعين. لقد كنت دائما أري أن صالح القضية الفلسطينية في أن يقوم الفلسطينيون أنفسهم بالدفاع عن وطنهم. وأعلنت الدول العربية بهذا الرأي، وطالبت بالعمل به مرارا. وقد وافقت الدول العربية علي هذه الخطة بوجه عام.
ففي دورة مجلس جامعة الدول العربية المنعقدة في عاليه بلبنان في السابع من تشرين الاول (اكتوبر) 1947، قرر المجلس استدعاء خبراء عسكريين من الأقطار العربية لوضع تقرير عن أفضل الطرق للدفاع عن فلسطين.ووضع هؤلاء الخبراء تقريرهم في جو هادئ، وبنجوه من التأثيرات السياسية.
وكانت الخطة المثلي في رأيهم، بعد درس حالة فلسطين درسا دقيقا، هي نفس الخطة التي كنا نطالب بها في السابق، وهي كما يأتي:أولا: وضع عرب فلسطين في وضع مماثل لوضع اليهود من ناحية تسليمهم وتدريبهم وتحصين مدنهم وقراهم تحصينا فنيا عسكريا وجعلهم الأساس في الدفاع عن بلادهم لأنهم أعرف بموائمها وطرقها ومسالكها، ولأنهم أشد تصميما واستماتة في الذود عن أهاليهم وديارهم، مع ما عرفوا به من شجاعة وإقدام، بالإضافة الي أنهم أقل نفقة من المتطوعين أو الجنود القادمين من خارج فلسطين، ولأن الفلسطينيين يقيمون في بيوتهم ويعيشون من منتجاتهم وحاجتهم الي النفقات فيما عدا السلاح والعتاد الي كثير من غيرهم.
ثانيا: الاستعانة بالمتطوعين القادمين من الأقطار العربية لمساعدة الفلسطينيين في الدفاع عن بلادهم.
ثالثا: مرابطة الجيوش النظامية للدول العربية علي حدود فلسطين دون دخولها لتقوية الفلسطينيين ومساعدة المجاهدين عند الضرورة ببعض العتاد والضباط وتسلل بعض الوحدات الفنية بصفة متطوعين للمعاونة عند مسيس الحاجة.
وقد وافق مجلس الجامعة العربية علي هذه الخطة..ثم شرعت اللجنة العسكرية في تنفيذها مبتدئة بالبند الأساسي الأول، وهو تدريب الفلسطينيين وتسليحهم، واستدعت الهيئة العربية العليا الآن من شباب فلسطين للتدريب في معسكر قطنة بقرب دمشق حيث شرعوا يتدربون.
غير أنه لم تلبث الحكومة البريطانية أن سارعت بتقديم مذكرة لجامعة الدول العربية تعترض فيها علي تسليح الفلسطينيين وتدريبهم، واصفة ذلك بأنه عمل غير ودي نحو السلطة البريطانية المنتدبة التي لم تسحب بعد من فلسطين!
فكانت هذه المذكرة وما تلاها من ضغط مستمر علي جامعة الدول العربية سببا لقلب الأوضاع وتبديل الخطة، وهدم الركن الأساسي في الدفاع عن فلسطين، ولم تلبث أن ظهرت بعد ذلك سياسة إقصاء الفلسطينيين عن ميادين المعركة ومنع الأسلحة والأموال من الوصول لهم. ہ ويلقي هيكل بسؤاله الخامس علي مفتي فلسطين: هل تعتقد أن تغييرا طرأ في الأيام الأخيرة علي موقف مصر الرسمي؟

فيرد الحاج أمين الحسيني:
- يبدو لي أن أسباب التغيير في موقف مصر لا تخلو من عوامل داخلية وخارجية. ولعله كان للرأي العام في مصر والبلاد العربية كلها الذي كان شديد الحماسة في ذلك الحين، وبقرار بعض الدول العربية بدخول جيوشها فلسطين، بعض الأثر في تغيير موقف مصر. ہ يسأله هيكل: ولماذا وصلت المسائل الي ما وصلت إليه فعلا.. ولماذا انتهي التدخل الرسمي بالجيوش العربية الي هذه الكارثة التي وصلنا إليها.. ومن المسؤول؟يرد مفتي فلسطين:
- ان تردي القضية ووصولها الي هذا الدرك يرجع الي أسباب عديدة: أولها: ان بعض المسؤولين في الدول العربية الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور لم يكونوا جادين أو مصممين في مواجهة هذه المشكلة، ولم يعالجوها بما تتطلبه خطورتها من الحزم والاهتمام، بل كانوا هازلين، خائرين، مترددين، بينما كان اليهود جادين كل الجد.
ثانيها: أن فريقا من أولئك المسؤولين لم يولوا القضية الفلسطينية ما تستحق من عناية، ولم يدرسوا مشكلتها الدراسة الكافية، ولم تكن لديهم المعلومات ولا الدراسات السياسية والعسكرية والتاريخية عن فلسطين، وخطورة الخطة الصهيونية والمطامع اليهودية فيها.
وقد كان الفريق الذي لديه هذه الدراسات والمعلومات والرغبة القوية والتصميم علي مقاومة المطامع اليهودية، هو الفريق المجاهد المستميت من أجل أهل فلسطين، وهذا الفريق أبعدته الدسائس الاستعمارية والضغط الأجنبي علي بعض الدول العربية عن ميدان الجهاد لسوء الحظ!
ثالثها: انه بينما كان اليهود يعملون بقوة وتصميم بوحي من مصالحهم العامة وتنفيذا لبرنامجهم الصهيوني الخطير كان بعض المسؤولين في بعض الدول العربية يعملون اما بوحي الاستعمار الأجنبي، أو بتأثير مصالحهم الخاصة!
وقد نتج عن هذا تضارب الأجواء والمصالح وتباين الغايات والأهداف والتخاذل بين دول الجامعة العربية ووقوع هذه الكارثة الأليمة. رابعها: أن بعض الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور السياسية والعسكرية لم يكونوا أهلا لتولي مراكزهم، ومعالجة هذه المشكلة الخطيرة بما تتطلبه من روح الجد والتصميم والتضحية.
وقد برهن بعضهم علي جهل فاضح في الشؤون العسكرية، فهم بالإضافة الي أن بعضهم لم يدخل فلسطين، ولم يعرف شيئا عن شؤونها الجغرافية ومواقعها العسكرية منهم، يقول عن القدس مثلا: وما أهمية القدس؟
انها ليست موقعا استراتيجيا!وعندما كان المجاهدون الفلسطينيون يطلبون منه مساعدتهم بالسلاح للدفاع عن القدس، لئلا تسقط في أيدي اليهود، كما حدث في معركة القسطل..ہ كان يجيبهم بقوله: فلتسقط.. وإذا سقطت اليوم فسوف نستردها في المستقبل!
خامسها: أن الضغط الاستعماري الأجنبي علي بعض الدول العربية جعل قيادتها السياسية في معركة فلسطين في يد الجنرال كلايتون وغيره من الساسة البريطانيين، كما جعل قيادتها العسكرية الحقيقية في يد الجنرال الإنكليزي غلوب أيضا!فكيف يعقل في مثل هذه الحالة أن يكتب النصر لمن يسلم مقاليد أموره لخصومه الألداء وأساس البلاد؟

ليست هناك تعليقات: