الجنرال مارك كيميت عبر فضائية قطر: مراسلكم يغذي المشاهدين بالأكاذيب الامريكان يلاحقون الجزيرة. عبارة انتشرت في أنحاء المدينة كالنار في الهشيم احمد منصور يستعيد وقائع معركة الفلوجة. هزيمة امريكا في العراق -12 ـ 14
05/10/2007
يكشف الاعلامي المعروف احمد منصور ومقدم البرنامج الشهير (بلا حدود) علي قناة الجزيرة القطرية تفاصيل وخفايا معركة الفلوجة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 التي تابعها وغطاها من الميدان، ويري ان المعركة كانت بمثابة هزيمة للاستراتيجية الامريكية في العراق. و القدس العربي تنفرد بنشر فصول من الكتاب تكشف عن حجم الجرائم التي ارتكبتها امريكا في العراق وفي المدينة التي حولتها لأنقاض وشردت اهلها ولا تزال بعد كل الجرائم تفرض حصارا عليها مع ان المعركة انتهت منذ اربعة اعوام .القدس العربي
بين كل نشرة أخبار وأخري كنت أقوم بجمع الجديد من الأخبار والمعلومات، بينما كان الزملاء الذين بقوا معي، حامد وعبد العظيم وسيف، كل يقوم بعمله، كان عبد العظيم يعد تقريراً عن زيارة وفد مجلس الحكم، بينما كان حامد يعد تقريراً آخر عن نتائج عمليات القصف وخرق وقف إطلاق النار الذي تقوم به القوات الأمريكية، وسيف كان مسؤولاً عن تشغيل جهاز البث.قمنا نؤدي صلاة الظهر في الساعة الواحدة والنصف تقريباً يوم السبت العاشر من نيسان (ابريل) 2004، ولأني كنت المسافر من بين الحضور فقد صليت بهم الظهر قصراً وأكملوا هم الصلاة، ثم قمت بعدها لصلاة العصر جمع تقديم، عندها جاءت الطائرات وكانت قريبة للغاية منا بحيث اخترقت جدار الصوت بشكل أفزعنا ثم أطلقت صاروخاً بدا أنه قريب تماماً منا، كان الزملاء قد أنهوا صلاة الظهر، بينما كنت لا أزال أصلي العصر، فانطلقوا بالكاميرات ركضاً إلي الخارج حيث مصدر انفجار الصاروخ الذي أطلق، بعدما أنهيت صلاتي خرجت أستطلع الأمر خارج البيت فوجدت الغبار يتصاعد من مكان قريب، قلت لأذهب إلي المستشفي حيث هناك الخبر اليقين.
حسين سمير يقصف بصاروخ
في طريقي إلي المستشفي لقيني بعض الناس وقالوا: إلي أين تذهب؟ لقد قصفوا البيت الذي كان فيه فريق الجزيرة أمس، واستشهد صاحبه. دار رأسي.... أي بيت؟ بيت حسين دلي أم بيت حسين سمير؟ لقد نمنا أمس في ثلاثة أماكن، الزملاء ناموا لدي حسين دلي، وحامد في بيت زوج شقيقته حسين سمير، وأنا وعبد العظيم في بيت عمر فاروق، كان البيت الأقرب الذي أعرفه هو بيت حسين سمير. قلت لأذهب أولاً إلي المستشفي لأعرف التفاصيل من هناك.حينما وصلت إلي باب المستشفي الميداني وجدت أحد المسعفين يخرج بحمالة للجرحي غارقة بالدماء، وقبل أن أسأل أو أعرف ماذا جري رأيت نزاراً شقيق حسين سمير الذي ساعدنا كثيراً أمس وصباح اليوم منهاراً تماماً ويجهش بالبكاء، وما إن رآني حتي هرول نحوي وارتمي علي كتفي وهو يبكي ويقول: استشهد حسين يا أحمد... استشهد حسين ؛ قصفوه بصاروخ، لكن رجلاً وراءه كان يقول لي: لا يزال علي قيد الحياة وسوف يسعفونه إن شاء الله.شعرت أن الدنيا تدور بي، يا إلهي حسين سمير زوج أخت حامد الذي تناولنا العشاء في بيته أمس، والذي كان من المفترض أن نتناول العشاء في بيته اليوم، والذي كان معنا في الصباح وساعدنا في نقل الأجهزة والأغراض إلي بيت عمر فاروق استشهد؟، أخذت أهديء من روع نزار شقيق حسين حتي أفهم منه ما حدث، لكنه كان منهاراً تماماً ويبكي بصوت مرتفع، ولأن الرجل ارتمي علي كتفي فقد بقيت معه أواسيه، بينما كان الناس يركضون هنا وهناك، وسمعت بعض الناس يقولون بصوت مرتفع: إنهم يلاحقون فريق الجزيرة، ويقصفون الأماكن التي يذهبون إليها، لقد كانوا في بيت حسين سمير أمس ولهذا قصفوه وقتلوه ، هذه العبارة انتشرت مثل النار في الهشيم في أنحاء المدينة.
منبوذون في المدينة
بعد نصف ساعة قضيت معظمها في المستشفي جالساً مع نزار شقيق حسين أواسيه وأهديء من روعه، عدت إلي بيت عمر فاروق فوجدت الأجواء متغيرة وغير طبيعية في البيت، فقد وجدت رجالاً متجهمين رأيتهم للمرة الأولي داخل البيت، وشعرت بأجواء غير مريحة، فسألت عبد العظيم: من هؤلاء الرجال يا عبد العظيم؟ فقال: هم أعمام عمر فاروق جاؤوا يطلبون منه إخراجنا من البيت بعدما انتشرت شائعة في المدينة بعد استشهاد حسين سمير أن القوات الأمريكية تتقصد البيوت التي يتواجد فيها فريق الجزيرة فتقصفها، وقالوا له: إذا لم تخرجهم من البيت فسوف يأتي الأمريكيون لقصف البيت وتدميره. لكن عمر فاروق رفض في البداية، ولأنهم أعمامه فقد أصرّوا عليه فالرجل يشعر بالحرج الشديد معنا، فاضطر أن يبلغنا في النهاية بضغوط أعمامه عليه، لذا علينا أن نبحث عن بيت آخر، ولكن بعد الغداء حيث أن الجيران قد أعدوا لنا الغداء وسوف يحضرونه بعد قليل .قلت في نفسي: أي غداء؟ وأي طعم للغداء يمكن أن نشعر به في هذه الأجواء؟ وأين سنذهب؟ إني لا أستبعد أن نشر هذه الشائعة في المدينة وراءه الذين لهم مصلحة في إخراجنا منها، يريدون أن يخيفوا أهل الفلوجة منا، بحيث يتم تضييق الأبواب علينا ويقوم أهل الفلوجة أنفسهم بإخراجنا منها طالما أننا رفضنا الخروج بعد طلب الأمريكيين واشتراطهم ذلك، كما أن هذا البيت هو الأقرب إلي المستشفي، فأني لنا أن نجد مكانا آخر مثله؟ وطالما انتشرت هذه الشائعة فإن أحداً لن يؤوينا وسوف نصبح منبوذين في المدينة، لقد كان منزل حسين سمير هو البديل لو أُخرجنا من منزل عمر فاروق، ولكن حسيناً استشهد . قلت لعبد العظيم بعد صمت طويل وتفكير: هل هناك مكان آخر يمكن أن نذهب إليه ويكون قريباً من المستشفي ؟ قال: سنبحث، لكن ليس هناك الآن مكان .لم يكن حامد قد علم أن زوج شقيقته قد استشهد، فقد كانت إصابته قاتلة في الرأس لكنه حينما نقل إلي المستشفي كان لا زال ينبض والأطباء يحاولون إسعافه، وكان معه اثنان آخران إصابتهما خفيفة، لكن إصابة حسين سمير كانت قاتلة، ولأن حامداً كان يعد تقريراً عن أحداث اليوم، وحتي يكون بعيداً عن أجواء التوتر في المستشفي فقد طلبت منه أن يعود هو إلي البيت لإكمال التقرير حتي يمكن بثه في نشرة الجزيرة منتصف اليوم ، وحينما ينتهي منه يمكنه العودة ليكون إلي جوار زوج أخته.عاد حامد وعدنا إليه بعد ذلك، لكن عبد العظيم أبلغني بعدها بدقائق أن حسيناً استشهد وطلب مني أن أُبلّغ حامداً بهذا الخبر المؤلم والمحزن، فقلت له: لن نبلغ حامداً إلا بعدما ينتهي من إعداد تقريره الذي تضمن للمصادفة صوراً لزوج أخته بعد إصابته مباشرة. كانت المعلومات التي عندي حتي هذه اللحظة والتي كان أهل المدينة يتحدثون فيها وكذلك أول خبر جاءني من الزملاء أن حسيناً قُصف بصاروخ أمام بيته، لكن الذي علمته بعد ذلك أن حسيناً قصف بصاروخ مع اثنين آخرين بعد خروجهم من مسجد الراوي حيث كانوا في طريقهم إلي البيت بعد صلاة الظهر، وأن الطائرة قصفتهم في الشارع، لكن الإشاعات التي ملأت المدينة والتي وصلتني حتي هذه اللحظة والتي سمعت بعض الزملاء يرددونها هي أن الطائرات قصفت بيت حسين وليس وهو في الطريق إلي بيته كما حدث، وهذا ما جعل أعمام عمر فاروق يطلبون منه إخراجنا من البيت، وأخذت الإشاعة تنتشر بأن الطائرات الأمريكية تلاحق فريق الجزيرة في البيوت التي يذهبون إليها أو يقيمون فيها، وهذا ما أبلغت به الشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس الإدارة حينما اتصلت به بعد ذلك لأبلغه بالوضع الذي أصبحنا فيه بعد هذا الحادث حيث كان علي اتصال دائم واطلاع مستمر علي أوضاعنا طوال الوقت.لاحظت أن عمر فاروق الشاب الطيب المضياف الكريم الخدوم الذي لم يتركنا من يوم الجمعة كان خجولاً منا للغاية، وكان يشيح بوجهه بعيداً عني حرجاً مني، فأنا الغريب من بين الحضور، وأنا المطلوب خروجي من المدينة كلها وليس من بيته فقط، وإلا فباقي الزملاء كلهم من أهل الفلوجة باستثناء المهندس سيف الذي كان من بغداد لكنه من أهل العراق في النهاية، والإشاعات تملأ المدينة لا سيما بعد انتقادات الجنرال كيميت لي بالاسم وقصفنا مساء أمس، بأن القوات الأمريكية تلاحق أحمد منصور وفريق الجزيرة حتي يخرجوا منها، كما أن الجزيرة بثت ذلك، ووفد مجلس الحكم طلب ذلك بشكل واضح، وطلب الخروج من المدينة كان رسمياً وأشار له بريمر في مذكراته، وهذا يعني أنه كانت هناك مطاردة لنا بكل الوسائل حتي نخرج من المدينة ونكف عن تغطية أحداث المعارك والانتهاكات التي تقوم بها القوات الأمريكية لسكانها المدنيين
خروج اجباري
شعرت أن الأمور انقلبت رأساً علي عقب في وقت قصير، وكان استشهاد حسين سمير قد أخاف الناس جميعاً منا، لذا جلست أنا وعبد العظيم وسيف وحامد ـ فلم يعد سوانا من فريق الجزيرة في المدينة ـ لنتباحث في الأمر، وقال سيف: إن القوات الأمريكية سوف ترصدنا في أي مكان نذهب إليه من خلال إشارة الستلايت التي نرسلها من علي الأجهزة إلي القمر الاصطناعي ومن المؤكد أنهم يرصدونها كإشارة معادية، وربما هذا سوف يمثل خطورة دائمة علي المكان الذي نتواجد فيه أو المنطقة بشكل عام . ثم تحدث عبد العظيم وحامد عن الظروف التي أصبحنا فيها بحيث لم يعد لنا مكان نأوي إليه، وحينما تحدثت في النهاية قلت لهم الكلام الذي ربما كانوا يشعرون بالحرج من قوله لي والذي يجب أن نتكلم فيه بصراحة فقلت: أنتم في النهاية من أهل المدينة، ويمكن أن تذهبوا إلي بيت أي من أقاربكم أو معارفكم، أما أنا فبصراحة شديدة أصبحتُ المشكلة لكم ولأهل المدينة، فكلما رآني أحد أمشي في الشارع حذرني من أن هناك من يتتبعني أو يسأل عني، والأمريكيون يتوعَّدونني ويطالبون بخروجي من المدينة، والجنرال كيميت وجَّه لي اتهامات بالاسم أمس، ووفد مجلس الحكم أبلغكم في الصباح بضرورة خروجي، وأنا جئت إلي هنا وأقمت بين الناس من أجل نقل الحقيقة وتقديمها للعالم حتي نحفظ عليهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وأعتقد أننا والحمد لله قد حققنا ما نستطيع من هذا، كما أن كل شيء في الحياة يكون ناجحاً إذا تم في توقيته، وكما وقَّت الله لنا الدخول، ونجحنا في دخول المدينة في الوقت المناسب وأدينا رسالتنا وواجبنا، ليس هناك مجال للعناد في البقاء أكثر من ذلك، بالنسبة لي، ولا أريد أن يقال إن بقائي أحد أسباب استمرار القصف علي المدينة حتي أخرج، كما أن الحصار يعتبر انتهي ولو جزئياً حيث يخرج الناس الآن ويدخلون إلي المدينة وإن كان من الطرق الفرعية .شعرت بارتياح لا سيما من حامد وعبد العظيم، فأنا في النهاية ضيف عليهم قبل أن أكون زميلاً لهم، وقد أكرموني أكرمهم الله وأكرمني أهلهم ومعارفهم، ووفَّروا كل الأسباب والوسائل التي جعلت دوري ودور جميع الزملاء ودور قناة الجزيرة ناجحاً ومميزاً في تغطية أحداث معركة الفلوجة وحصارها، وأعطي لها السبق في تغطيتها لكل أحداث المعركة، وينبغي أيضاً ألا أسبب لهم حرجاً أكثر من ذلك، حيث إنهم يستطيعون تدبير أمر أنفسهم، لأنهم من أهل المدينة أولاً وأخيراً، حينها قال المهندس سيف: أنا سأخرج معك إن خرجت وأبقي معك إن بقيت . قلت له: وجهاز الستلايت من الذي سيديره؟ قال: إذن سأذهب إلي بغداد لرؤية أهلي وزوجتي وأولادي، وطالما أن الطريق قد فتح فسوف أعود خلال يوم أو يومين . قلت له: لا بأس . ولم يمانع حامد وعبد العظيم، وقالوا: ربما لو توقفنا عن البث يوماً أو يومين نكون قد أعطينا الفرصة لأهل المدينة أن يعرفوا أن الأمريكيين لن يتوقفوا عن قصف المدينة حتي لو خرجنا منها ، كما أن أمر الخروج والدخول من وإلي المدينة أصبح سهلاً الآن.
الجزيرة و... أمريكا
بعد يوم طويل ودامٍ كانت الشمس تميل فيه نحو المغيب، وقفت أرقب الاشتباكات المتقطعة بين رجال المقاومة والقوات الأمريكية المحاصرة لمدينة الفلوجة من علي سطح مبني المجمَّع الطبّي الذي اتخذناه مقراً للبث وذلك في يوم الجمعة التاسع من نيسان (ابريل) 2004 ، في نفس الوقت كنت أتابع مع الزملاء آخر الأخبار والتطورات لما يحدث في أنحاء المدينة وعلي أطرافها من مصادرنا المختلفة داخل المدينة وخارجها، ونترقب أي اتصال من مقر قناة الجزيرة في الدوحة لنوافيهم بآخر ما لدينا من أنباء، في هذه الأثناء بلغنا أن انفجاراً وقع في العاصمة بغداد انشغل الزملاء هناك بتغطيته، وهذا سبب تأخر الزملاء في الدوحة عن الاتصال بنا.ورغبة مني في التعرف علي الصورة قررت أن أتصل بالزميل وضاح خنفر مدير قناة الجزيرة كي أسأله عن آخر التطورات لديهم، وكيف سيقومون بتغطية أحداث باقي اليوم، وما هو المطلوب منا إخبارياً للمشاركة في البث خلال الساعات القادمة حتي نعد أنفسنا له، وما إذا كانوا سيعودون إلينا لأية تغطية مباشرة أم أمنح الزملاء العاملين معي في الفلوجة قسطاً من الراحة التي لم يذوقوها منذ الصباح الباكر، كما أن سطح المبني الذي نقدِّم تغطيتنا منه خطر جداً ومكشوف إلي حد بعيد، ويمكن اصطيادنا بسهولة من قبل القناصة الأمريكيين أو بالقصف العادي أو حتي بالمدفعية الرشاشة ومن كافة الجوانب، فالقوات الأمريكية كانت لا تبعد عنا إلا بضع مئات من الأمتار، وكثير من الناس كانوا يحذروننا منذ الصباح بأن مكاننا مكشوف وسهل القصف، ولكن ماذا نفعل؟ إنه أفضل مكان يمكن أن نمارس عملنا منه.ما إن سمع وضاح صوتي علي الهاتف حتي قال لي بدعابة أعهدها منه دائماً حينما تكون هناك مشكلات سياسية بعد أحد برامجي: دمرتنا يا أحمد منصور... هل سمعت ما قاله عنك الجنرال مارك كيميت نائب قائد القوات الأمريكية في العراق؟ ، قلت له متعجباً: الجنرال كيميت!! ماذا قال كيميت؟قال: الآن وعلي شاشة الجزيرة . قلت له: للأسف أنت تعلم أني لا أتابع إلا ما حولي من معارك، ولا يوجد بالقرب مني جهاز تليفزيون لأتابع ما يبث .قال: لقد انتقدك الجنرال مارك كيميت بشدة وشن عليك هجوماً شديداً وتحدث عنك بالاسم وقال في مقابلة أجراها معه الزميل محمد كريشان: إن مراسلكم أحمد منصور يغذي مشاهدي الجزيرة بالأكاذيب من الفلوجة . ما إن سمعت من وضاح ما قاله عني الجنرال كيميت ورغم كل ما أنا فيه من هم وإرهاق وعناء ومعاناة ومرارة انفجرت في الضحك، وقلت له: هل تمزح يا وضاح أم أنت جاد؟ قال: بل أنا جاد جداً ويمكنك البحث عن أي تليفزيون قريب ومشاهدة ذلك، فنحن سوف نبث تلك التصريحات التي قالها عنك في نشرات الأخبار القادمة؟ .قلت له: لكن ما أعرفه أنه ليس معهوداً من المسؤولين سواء كانوا عسكريين أو سياسيين أن يهاجموا صحفيين بالاسم ودائما يهاجمون قناة الجزيرة دون تحديد لأسماء مذيعين أو مراسلين؟ . قال: هذا ما حدث؟ ولدي خبر آخر لكن أرجو ألا تنزعج منه. قلت له: ما هو؟ قال: بلغنا أن القوات الأمريكية تطالب بخروجكم من الفلوجة، وتعتبر خروج فريق الجزيرة من الفلوجة هو الشرط الأول لأي عملية لوقف إطلاق نار تقوم بها، وهذا أمر لم يعلنوه صراحة لكننا علمنا به من مصادر لنا قريبة من الوفد الذي سوف يرسلونه غداً صباحاً للتفاوض مع وجهاء المدينة حول وقف إطلاق النار، وقمنا أيضاً ببث هذا الخبر منذ الصباح في نشرات الأخبار بعدما تأكدنا من صحته، ومن المقرر أن يصل الفلوجة اليوم أو غداً وفد يمثل مجلس الحكم من بين أعضائه حاجم الحسني الذي يمثل الحزب الإسلامي والشيخ غازي الياور ـ الذي عينوه رئيساً للعراق بعد ذلك ـ، لكن لا عليك يمكنك أن تواصل عملك وفريق الجزيرة، حتي تتضح الأمور بشكل جلي ، قلت له: إن خروجنا من المدينة والناس يموتون من حولنا ولا يوجد غيرنا لنقل هذه المآسي عبر التليفزيون إلي العالم هو أمر غير أخلاقي من قبلنا إذا قمنا نحن به، كما أن معظم السكان المحاصرين هنا من الرجال والنساء والأطفال والعجائز، يعتبروننا نافذتهم علي العالم، لذا فإننا لن نغادر المدينة إلا إذا أجبرنا علي ذلك . قال وضاح: لا عليك واصل عملك أنت وزملاءك والله معكم .أبلغت وضاحاً أيضاً أن المصوِّرَيْن ليثاً وحسيناً وصل بهما التعب مبلغه ولم تعد بهما قوة لمواصلة العمل لذا سوف يعودان إلي بغداد غداً السبت صباحاً مع بعض القوافل التي تمكنت من دخول المدينة لنقل الأغذية والمساعدات الطبية وإخلاء الجرحي، وسوف يقوم حامد وعبد العظيم بالتصوير بدلاً منهما حتي يأتينا مصوران بدلاً منهما من بغداد.
بعد يوم طويل ودامٍ كانت الشمس تميل فيه نحو المغيب، وقفت أرقب الاشتباكات المتقطعة بين رجال المقاومة والقوات الأمريكية المحاصرة لمدينة الفلوجة من علي سطح مبني المجمَّع الطبّي الذي اتخذناه مقراً للبث وذلك في يوم الجمعة التاسع من نيسان (ابريل) 2004 ، في نفس الوقت كنت أتابع مع الزملاء آخر الأخبار والتطورات لما يحدث في أنحاء المدينة وعلي أطرافها من مصادرنا المختلفة داخل المدينة وخارجها، ونترقب أي اتصال من مقر قناة الجزيرة في الدوحة لنوافيهم بآخر ما لدينا من أنباء، في هذه الأثناء بلغنا أن انفجاراً وقع في العاصمة بغداد انشغل الزملاء هناك بتغطيته، وهذا سبب تأخر الزملاء في الدوحة عن الاتصال بنا.ورغبة مني في التعرف علي الصورة قررت أن أتصل بالزميل وضاح خنفر مدير قناة الجزيرة كي أسأله عن آخر التطورات لديهم، وكيف سيقومون بتغطية أحداث باقي اليوم، وما هو المطلوب منا إخبارياً للمشاركة في البث خلال الساعات القادمة حتي نعد أنفسنا له، وما إذا كانوا سيعودون إلينا لأية تغطية مباشرة أم أمنح الزملاء العاملين معي في الفلوجة قسطاً من الراحة التي لم يذوقوها منذ الصباح الباكر، كما أن سطح المبني الذي نقدِّم تغطيتنا منه خطر جداً ومكشوف إلي حد بعيد، ويمكن اصطيادنا بسهولة من قبل القناصة الأمريكيين أو بالقصف العادي أو حتي بالمدفعية الرشاشة ومن كافة الجوانب، فالقوات الأمريكية كانت لا تبعد عنا إلا بضع مئات من الأمتار، وكثير من الناس كانوا يحذروننا منذ الصباح بأن مكاننا مكشوف وسهل القصف، ولكن ماذا نفعل؟ إنه أفضل مكان يمكن أن نمارس عملنا منه.ما إن سمع وضاح صوتي علي الهاتف حتي قال لي بدعابة أعهدها منه دائماً حينما تكون هناك مشكلات سياسية بعد أحد برامجي: دمرتنا يا أحمد منصور... هل سمعت ما قاله عنك الجنرال مارك كيميت نائب قائد القوات الأمريكية في العراق؟ ، قلت له متعجباً: الجنرال كيميت!! ماذا قال كيميت؟قال: الآن وعلي شاشة الجزيرة . قلت له: للأسف أنت تعلم أني لا أتابع إلا ما حولي من معارك، ولا يوجد بالقرب مني جهاز تليفزيون لأتابع ما يبث .قال: لقد انتقدك الجنرال مارك كيميت بشدة وشن عليك هجوماً شديداً وتحدث عنك بالاسم وقال في مقابلة أجراها معه الزميل محمد كريشان: إن مراسلكم أحمد منصور يغذي مشاهدي الجزيرة بالأكاذيب من الفلوجة . ما إن سمعت من وضاح ما قاله عني الجنرال كيميت ورغم كل ما أنا فيه من هم وإرهاق وعناء ومعاناة ومرارة انفجرت في الضحك، وقلت له: هل تمزح يا وضاح أم أنت جاد؟ قال: بل أنا جاد جداً ويمكنك البحث عن أي تليفزيون قريب ومشاهدة ذلك، فنحن سوف نبث تلك التصريحات التي قالها عنك في نشرات الأخبار القادمة؟ .قلت له: لكن ما أعرفه أنه ليس معهوداً من المسؤولين سواء كانوا عسكريين أو سياسيين أن يهاجموا صحفيين بالاسم ودائما يهاجمون قناة الجزيرة دون تحديد لأسماء مذيعين أو مراسلين؟ . قال: هذا ما حدث؟ ولدي خبر آخر لكن أرجو ألا تنزعج منه. قلت له: ما هو؟ قال: بلغنا أن القوات الأمريكية تطالب بخروجكم من الفلوجة، وتعتبر خروج فريق الجزيرة من الفلوجة هو الشرط الأول لأي عملية لوقف إطلاق نار تقوم بها، وهذا أمر لم يعلنوه صراحة لكننا علمنا به من مصادر لنا قريبة من الوفد الذي سوف يرسلونه غداً صباحاً للتفاوض مع وجهاء المدينة حول وقف إطلاق النار، وقمنا أيضاً ببث هذا الخبر منذ الصباح في نشرات الأخبار بعدما تأكدنا من صحته، ومن المقرر أن يصل الفلوجة اليوم أو غداً وفد يمثل مجلس الحكم من بين أعضائه حاجم الحسني الذي يمثل الحزب الإسلامي والشيخ غازي الياور ـ الذي عينوه رئيساً للعراق بعد ذلك ـ، لكن لا عليك يمكنك أن تواصل عملك وفريق الجزيرة، حتي تتضح الأمور بشكل جلي ، قلت له: إن خروجنا من المدينة والناس يموتون من حولنا ولا يوجد غيرنا لنقل هذه المآسي عبر التليفزيون إلي العالم هو أمر غير أخلاقي من قبلنا إذا قمنا نحن به، كما أن معظم السكان المحاصرين هنا من الرجال والنساء والأطفال والعجائز، يعتبروننا نافذتهم علي العالم، لذا فإننا لن نغادر المدينة إلا إذا أجبرنا علي ذلك . قال وضاح: لا عليك واصل عملك أنت وزملاءك والله معكم .أبلغت وضاحاً أيضاً أن المصوِّرَيْن ليثاً وحسيناً وصل بهما التعب مبلغه ولم تعد بهما قوة لمواصلة العمل لذا سوف يعودان إلي بغداد غداً السبت صباحاً مع بعض القوافل التي تمكنت من دخول المدينة لنقل الأغذية والمساعدات الطبية وإخلاء الجرحي، وسوف يقوم حامد وعبد العظيم بالتصوير بدلاً منهما حتي يأتينا مصوران بدلاً منهما من بغداد.
أنا... والجنرال
أيضاً هناك أمر آخر وهو ما اتصلت معك بشأنه: هل ستعودون إلينا مرة أخري لأية تغطيات مباشرة خلال الساعة القادمة علي الأقل أم أعطي الزملاء هنا فرصة للاستراحة ؟ قال: وقع قبل قليل تفجير في بغداد قرب مكتب قناة الجزيرة، والزملاء هناك مشغولون بتغطيته، ولو منحت الزملاء عندك فرصة للاستراحة يكون أفضل وربما نعود إليك بعد ساعة .انتهت مكالمتي مع وضاح، وقلت للزملاء وأنا أري الإجهاد يفتك بهم جميعاً وبي: يمكننا الاستراحة لمدة ساعة، ولكن كونوا حذرين ربما نعود للبث في أي لحظة؟ قال المهندس سيف: هل أعطي مولد الكهرباء راحة هو الآخر أم أتركه؟ قلت له بابتسامة مرهقة: أعطه راحة هو الآخر لقد تعب كثيراً.كان الجنرال مارك كيميت يعقد مؤتمرات صحفية يومية في مقر قيادة القوات الأمريكية في بغداد صباحاً ومساء، يتحدث فيها للصحفيين عن التطورات العسكرية اليومية من وجهة النظر الأمريكية الرسمية، وكنت أنا من الفلوجة مع فريق قناة الجزيرة نعكس وجهة النظر والحقائق علي الأرض من خلال الصور والناس والأحداث، فكنا في مواجهة أو بالأحري معركة إعلامية غير مباشرة طوال الوقت أنا من الفلوجة وهو من بغداد.ورغم محاولات كيميت في مؤتمراته الصحفية صرف أنظار الصحفيين عن الفلوجة بالحديث عن أحداث أخري في مناطق مختلفة من العراق أهمها ما كان يحدث في كربلاء والنجف من مواجهات بين أنصار مقتدي الصدر والقوات الأمريكية، إلا أن تغطيتنا لأحداث الفلوجة قفزت بها إلي الخبر الأول علي شاشات التلفزة العالمية بسبب وجودنا وحدنا هناك وتغطيتنا لحرب يقوم بها أقوي جيوش العالم متسلِّحاً بكل الأسلحة الفتاكة ضد مدينة رفض أهلها الإهانة والذل والضيم الذي مارسه الأمريكيون عليهم طوال عام، وإلا لو غابت الجزيرة ولم تكن موجودة في الفلوجة في نيسان (ابريل) 2004 ـ كما قال كثير من المراقبين ـ لحدث للمدينة في ذلك الوقت ما حدث لها بعد ذلك في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2004 ، فقد كانت خطة إخضاع الفلوجة كما أشار بريمر في مذكراته جاهزة للتطبيق.لم يكن الجنرال كيميت يستطيع الفكاك من حصار الصحفيين له بالأسئلة عما يدور في الفلوجة لا سيما وأننا كنا المصدر الرئيسي بل والوحيد للصور والأخبار التي تبث من المدينة، بينما كان هناك كالعادة صحفيون أمريكيون مصاحبون للقوات الأمريكية ينقلون الصورة من طرفها الآخر، ولم تكن لدي الجنرال كيميت سوي إجابة واحدة كلما قال له أحدهم الجزيرة نقلت كذا وقالت كذا من الفلوجة ما ردك؟ فظل يجيب علي الجميع: الجزيرة تبث الأكاذيب ما عليكم سوي تغيير القناة لتتحاشوا الأكاذيب التي تروجها . وقامت قناة الجزيرة ببث تصريحات الجنرال كيميت هذه مرات عديدة خلال أيام عملنا في الفلوجة، بل إنها في النهاية صنعت منها دعاية إعلانية كانت تبثها علي مدار الساعة.ولا شك في أن الوضع المحرج للقوات الأمريكية التي كانت تحاصر المدينة قد بلغ مداه يوم الجمعة ـ كما أشار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر في مذكراته التي نشرت تحت عنوان عام قضيته في العراق ـ بعدما أصبحت هي الأخري محاصرة من قبل قوات المقاومة التي تداعت من شتي أنحاء العراق وقطعت كافة الإمدادات عن القوات الأمريكية بل وقطعت الطرق أيضاً، وأصبح المأزق الأساسي الذي تواجهه القوات الأمريكية هو التغطية التي كنا نقوم بها من داخل المدينة.وتأكيداً لما ذكره وضاح لي من أن القوات الأمريكية قد اشترطت خروجنا من المدينة لتحقيق أي وقف لإطلاق النار، ما ذكره بول بريمر في الصفحة 422 من مذكراته ـ التي سبق وأن أشرت إليها ـ حيث قال عما حدث في يوم الجمعة 9 نيسان (ابريل) صباحاً: تحدثت أنا والجنرال جون أبي زيد وسانشيز وبلاكويل لمدة نصف ساعة أخري، فقال جون إنه يتفهم أن الوضع السياسي لا يسمح بمواصلة الهجوم علي الفلوجة الآن، وبحثنا هل سيتمكن وفد مجلس الحكم من تهدئة الأمور بالشكل الكافي لكي توقف الجزيرة نقلها للأخبار .إذن كانت مهمة أساسية لوفد مجلس الحكم كما قال بريمر أن يتم إيقاف الجزيرة عن بث الأخبار من الفلوجة، وهذا ما أبلغه الوفد للزميل عبد العظيم محمد في اليوم التالي السبت 10 نيسان (ابريل) صباحاً، وهذا أيضاً ما دفع كيميت بعد عدة أيام من مهاجمتنا كقناة في المؤتمرات الصحفية إلي أن يهاجمني أنا شخصياً في حواره مع الزميل محمد كريشان علي شاشة الجزيرة يوم الجمعة 9 نيسان (ابريل).وأذكر هنا أن الزميل أحمد السامرائي وهو كان أحد مصوري قناة الجزيرة الذين يغطون المؤتمرات الصحفية للجنرال مارك كيميت في مقر قيادة القوات الأمريكية في بغداد أبلغني أن الجنرال كيميت كان غاضباً مني للغاية وتحدث معه أكثر من مرة شاكياً مني بمرارة ومن التغطية التي كنا نقوم بها من الفلوجة، لا سيما وأن كيميت كان يتعرض لحصار يومي ومواجهة من الصحفيين لسؤاله عما نقوم ببثه من أخبار الدمار والخراب والقتل واستخدام الأسلحة المحرمة وقتل النساء والأطفال وغير ذلك من الأحداث الأخري المصورة. وكان الزملاء في نشرات الأخبار المختلفة ينقلون لي في أسئلتهم ما يقوله الجنرال كيميت عن الأوضاع في الفلوجة وأقدم لهم بالصور والدلائل الدامغة الحقائق علي الأرض والمخالفة تماما لما يقوله كيميت، فكان الجنرال يبدو أمام الجميع أنه هو الذي يروِّج الأكاذيب وليس أنا.بقيت أنا والجنرال كيميت ـ دون أن أدري ـ منذ دخولي إلي الفلوجة حتي خروجي منها في معركة ليس بالسلاح وإنما علي شاشات التلفزة، هو يدَّعي ما يريد، وأنا أخرج بالصور والحقائق الدامغة المنافية تماماً لكل تصريحاته. وكان واضحاً أن كيميت كان يشاهدني ويتابعني بدقة ويتم ترجمة ما أقدمه للمشاهدين له، وربما ليس هو فقط الذي كان يتابعني ـ كما ظهر فيما بعد ـ ولكن كان كل صانعي القرار في الولايات المتحدة يتابعون ما يبثه فريق الجزيرة من الفلوجة، بينما كنت نادراً ما أتابع مؤتمراته الصحفية لأني كنت طوال الوقت إما أدور في أنحاء المدينة لأرصد وأتحقق من معاناة أهل الفلوجة ومآسيهم، وإما أتابع مع الزملاء ما يقومون به حتي نقدم صورة دقيقة عن الأحداث ما استطعنا، ولم أكن أعلم بادعاءات كيميت إلا من خلال ما ينقله الزملاء لي.
بوش وبلير: الجزيرة.. الجزيرة
لم يكن الهجوم الذي شنه الجنرال مارك كيميت ضدي في التاسع من نيسان (ابريل) إلا مقدمة لحرب قام معظم أركان الإدارة الأمريكية بشنها علي قناة الجزيرة بشكل عام، وجانب منها علي أحمد منصور بشكل خاص بسبب تغطيتي التليفزيونية لمعركة الفلوجة.المسؤولون الأمريكيون وعلي رأسهم وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز الذي أصبح رئيساً للبنك الدولي ثم أجبر في أيار (مايو) من العام 2007 علي الاستقالة بعد الفضيحة المدوية بتورطه بمحاباة عشيقته لم يتوقفوا عن شن هجمات متكررة علي قناة الجزيرة منذ بداية الحرب علي العراق في 19 اذار (مارس) من العام 2003 وحتي معركة الفلوجة الأولي في نيسان (ابريل) من العام 2004 واتهامها مرات عديدة بأنها تروِّج الأكاذيب و تسيء لجهود أمريكا في العراق و تتعاون مع مقاومين عراقيين وتبث السم والكذب و تؤيد صدام حسين وتعارض التحالف . واعتبرها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الحليف الأكبر لأمريكا في تصريحات نشرت له في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2003 بأنها أسوأ أعداء العراق الحقيقيين .وكانت كل هذه الاتهامات تزيد من مصداقية الجزيرة ومكانتها لدي المشاهدين ليس في العالم العربي فحسب وإنما في جميع أنحاء العالم، حتي أصبح شعار قناة الجزيرة يحتل المرتبة الخامسة من حيث الشهرة كعلامة تجارية عالمياً بشكل عام والأولي بين وسائل الإعلام بشكل خاص، وكانت هذه الهجمات والانتقادات ضد قناة الجزيرة تتم بشكل دائم دون توقف، وفي بعض الأحيان كان الناطق باسم قناة الجزيرة آنذاك الزميل جهاد بلوط يرد علي بعضها وفي أحيان كثيرة لا تعلق الجزيرة علي شيء.لكن الهجوم علي قناة الجزيرة أثناء وبعد تغطيتنا لمعركة الفلوجة الأولي أخذ منحي آخر، فالهجوم العام تحوَّل إلي تحديد شخص بالاسم لأول مرة هو أحمد منصور ، ولغة الاتهام أخذت بعداً آخر في تصريح أدلي به وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد حمل روح التهديد والعداء والكراهية للجزيرة، فقد قال غاضباً في الخامس عشر من نيسان (ابريل) 2004 وعلي شاشات التليفزيون من خلال المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده في وزارة الدفاع في واشنطن وتحديداً كان يعلق علي تغطيتنا لمعركة الفلوجة: أستطيع القول وبشكل قاطع إن ما تفعله الجزيرة عمل شرير وغير دقيق ولا يمكن تبريره . وكان هذا التصريح قبل يوم واحد من الاجتماع الذي عقد بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في السادس عشر من نيسان (ابريل) 2004 والذي أخبر فيه بوش بلير بأنه ينوي قصف مقر قناة الجزيرة في الدوحة وبعض مكاتبها في الخارج. أما الرئيس جورج بوش الذي كان يتجنب ذكر اسم الجزيرة بشكل مباشر في ذلك الوقت، فقد عبــر عما سبـــبته تغطية الجزيرة لمعركة الفلوجة من حـــرج له ولإدارته بعد اجتماع عقده مع مساعديه للأمـــن القومي في تصريحات نقلتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عددها الصادر يوم الخميس التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) من العام 2004 جاء فيه: إن صور القتال الشرس في الفلوجة ستثير تمردات في أرجاء العراق وغضباً في أرجاء العالم العربي .أما يوم الثلاثاء 27 نيسان (ابريل) 2004 فقد نقلت المصادر الإخبارية المختلفة ومنها قناة الجزيرة أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قد خصص الجزء الرئيسي من اجتماعه مع وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في لقاء تم بينهما في مقر وزارة الخارجية في واشنطن للحديث عما تبثه قناة الجزيرة من أخبار حول وضع القوات الأمريكية في العراق بشكل عام والتغطية التي قام بها فريق قناة الجزيرة لمعركة الفلوجة علي وجه الخصوص.وقد قال باول للصحفيين أمام مقر الخارجية الأمريكية في أعقاب الاجتماع: إن الصداقة بين البلدين تسمح لنا ببحث القضايا الصعبة التي تعترض علاقتنا مثل مسألة تغطية قناة الجزيرة ، بينما رفض وزير الخارجية القطري التعليق في شكل بدا فيه الأمر وكأن الجو كان متوتراً للغاية بين الطرفين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق